[حقيقة الدليل اصطلاحا]
  قلنا: (كلما صدر عنه الخبر) سواء صدر عنه الخبر الدال على تعيين أحد طرفيه إما الإثبات أو النفي أم لا، (إما أن يحتمل متعلقه) وهو طرفاه (النقيض بوجه) من الوجوه (أَوْ لا) بمعنى أنه إذا اعتبر ما عنه الذكر الحكمي من حيث يلاحظ معه الإثبات أو النفي بدلا أو بعينه، فلا يخلو إما أن يحتمل طرفاه ما هو نقيض له من هذه الحيثية وإن كان في الحقيقة نقيضا لما لوحظ معه بوجه من الوجوه أَوْ لا.
  و (الثاني) وهو ما لا يحتمل متعلقه النقيض بوجه (العلم، والأول إما أن يحتمل النقيض عند الذاكر لو قَدَّرَهُ أَوْ لا، الثاني الاعتقاد(١) فإن طابق) الواقع (فصحيح) كتقليد المصيب (وإلاَّ) يطابقه (ففاسدٌ) وهو يشمل تقليد المخطئ وما ينشأ عن شبهة وكلاهما جهل مركب.
  (والأول إما أن يحتمل النقيض وهو راجح، أَوْ لاَ) بل مرجوح، أو مساوٍ، (فالراجح الظن، والمرجوح الوهم، والمساو الشك).
  واعلم أن المشهور في هذا المقام أن يجعل المقسم الاعتقاد المرادف للتصديق أو الحكم، ويعد الوهم والشك من أقسامه، وليس بصحيح، إذ لا اعتقاد ولا حكم فيهما، أما في الشك فلأن طرفي الإثبات والنفي متساويان فيه، فإن كان حكم واعتقاد فإما بهما وفساده ظاهر، وإما بأحدهما فيلزم التحكم، والكلام بالمعنى القائم بالنفس سواء عبر عنه بالألفاظ أَوْ لاَ، فلا يتوجه أن الشاك قد يتلفظ بما يدل على أحد الطرفين كما مر.
  وأما في الوهم؛ فلأن المرجوح أدنى من المساوي، وأيضا في الراجح حكم، فيلزم اعتقاد النقيضين معا، وبالجملة لابد في الحكم والاعتقاد من رجحان، ولا رجحان فيهما، فلذلك عدل ابن الحاجب إلى ما يشملهما واقتفينا أثره، ولما كان في
(١) الاعتقاد الجازم وهو: إما أن يستند إلى نظر واستدلال، أو إلى قول الغير، أو لا شيء منهما. (تمت منهاج الوصول ص ٨٢٦).