القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[حقيقة الدليل اصطلاحا]

صفحة 648 - الجزء 1

  عبارة القوم أن الظن هو الحكم بأحد النقيضين مع تجويز الآخر، ويتبادر منه أنه مركب من اعتقادين أشير بقولهم لو قدره إلى أنه بسيط وأن خطور النقيض الآخر لا يجب أن يكون بالفعل ولعل مرادهم هو هذا، لكن التصريح به أولى، وسيقرر # أن الظن ليس من جنس الاعتقاد خلاف ما فعله هنا.

  فإن قلت: قد جعلتم الاعتقاد مما يحتمل النقيض في الجملة، وهو لا يحتمله لا عند الذاكر المعتقد؛ لأنه جازم، ولكونه قسما لما يحتمله عنده، ولا في نفس الأمر؛ لأن ما في نفس الأمر لا يكون إلا الثبوت على القطع، أو الانتفاء على القطع فما معنى احتماله.

  قلت: معنى احتماله للنقيض، هو أن طرفي حكم المعتقد مما يجوز في نفس الأمر للحاكم أن يحكم بينهما بنقيض ما اعتقده لا في الحال لوجود الجزم المانع منه، وهو الذي نفيناه من قبل، بل في المآل لجواز زواله فيه، إمَّا لأن اعتقاده باطل والواقع في نفس الأمر نقيض حكمه كما في الجهل المركب فيطلع عليه فيما بعد، وإمَّا لأن اعتقاده صحيح والواقع في نفس الأمر هو حكمه لكنه لا يستند إلى موجب من حس كما في الحسيات، أو ضرورة كما في البديهيات، أو عادة كما في العاديات، أو دليل كما في القطعيات من الكسبيات، وإذا لم يستند إلى موجب بل اتفق بسبب تقليد مصيب أو شبهة لم يمتنع أن ينتفي ذلك الجزم والاعتقاد، ويحصل اعتقاد نقيضه بتقليد آخر، أو اطلاع على الواقع أو فساد الشبهة كما يتفق من تبدل الاعتقادات (وقد علم بذلك) التقسيم كل واحد من العلم والظن وقسيماهما إذ يعرف به (حدودها) بأن يقال:

  العلم: ما عنه الذكر الحكمي الذي لا يحتمل متعلقه النقيض بوجه.

  والظن: ما عنه الذكر الحكمي الذي يحتمل متعلقه النقيض عند الذاكر لو قدره احتمالا راجحا وعليه فقس. اهـ.