القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[فصل: في الأمر]

صفحة 74 - الجزء 1

  واحدة سريعة التكوين - أراد قوله كن - يعني أنه إذا أراد تكوين شيء لم يلبث كونه، والأصل الحقيقة، قلنا إنما أراد الشأن، أي وما شأننا، وأراد في الأولى الصيغة، سلمنا ذلك، فالمجاز أقرب كما تقدم.

  واعلم أنهم لا يختلفون أن لفظ الأمر حقيقة في الصيغة، وإنما الخلاف فيما عداها.

  وإذ قد عرفت ذلك، فحد الأمر باعتبار (الصيغة هو: قول القائل لغيره، إفعل على جهة الاستعلاء أو نحوه مريداً لما تناولته)، فقول القائل لغيره، إفعل، أو نحوه جنس، ونحو إفعل لتفعل، ونزالِ وما أشبه ذلك، وقد يأتي بلفظ الخبر كقوله ÷: «اتقى عبد ربه نصح نفسه» كما يأتي الخبر بلفظه، كقوله ÷: «إذا لم تَسْتَحْ فاصنع ما شئت» أي صنعت، وقولنا على جهة الاستعلاء؛ ليخرج ما على جهة التسفل، وهو الدعاء ونحوه، وما على جهة التساوي وهو الالتماس.

  لا يقال: اشتراط الاستعلاء مخالف لما عليه الاستعمال؛ إذ قد أطلق الأمر حيث لا يتصور الاستعلاء كما في قوله تعالى حكاية عن فرعون: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ١١٠}⁣[الأعراف]، والأصل الحقيقة؛ لأنا نقول إنه مجاز للقطع بأن الطلب على سبيل جهة التضرع، أو التساوي لا يسمى أمراً.

  وقولنا: مريداً لما تناوله ليخرج التهديد، نحو قوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ...}⁣[فصلت: ٤٠].

  (مسألة: كثر و) الأمر (له بكونه أمراً صفة) زائدة على مجرد حروفه (يتميز بها) عن غيره من التهديد والإباحة، والأمر الصادر من الساهي والنائم.

  والصفة هو كونه طلباً؛ لأن قسيماته ليست على صفة الطلبيَّة (إذ لا يكفي) في امتيازه عنها (مجرد الحروف؛ لاستوائها فيه وفي التهديد)، فإن قول السيد لعبده، إفعل كذا، يحتمل الأمر بذلك والتهديد عليه، وكذا سائرها.