[فصل: في الأمر]
  لزم أن لا يكون طلباً حتى تتعلق الإرادة بمطلوبها، ولا مطلوب لها قبل تعلق الإرادة إذ لا يصير طلباً لمطلوبٍ إلا بها فيدور، وإن وضعت لا لإفادة الطلب، فلما قارنت الإرادة أفادته لزم مثل ذلك في الخبر كما تقدم.
  وأنت خبير بأن الإمام # لم يتعرض إلا لإبطال مذهب الخصم، وهو القول بأن الأمر يتميز بإرادة المأمور به كما هي طريقته # في كثيرٍ من مسائل هذا الكتاب، وغير خافٍ عليك أن إبطال مذهب خصمك لا يقتضي صحة مذهبك إلا إذا كان المذهبان طرفي نقيض، وهو في مسألتنا ليس كذلك، كما لا يخفى على المتأمل، فلا يلزم من بطلان أحدهما صحة الآخر؛ لكنه يلزم من صحة أحدهما بطلان الآخر؛ لأنه يلزم من صحة مذهبك بطلان مذهب خصمك سواء كانا في طرفي نقيض أَوْ لا، دون العكس.
  واعلم أن سائر أنواع الكلام كالنهي والخبر والاستفهام والعرض والتمني حكمها حكم الأمر على حسب الخلاف، فعلى ما ذكرنا للنهي بكونه نهياً صفة، وللخبر بكونه خبراً صفة، وكذلك سائرها، وعند أبي الحسين ومتبعيه أنه لا صفة لأي أنحاء الكلام وإنما يقع التميز بالإرادة.
  (مسألة: البصرية والمؤثر فيها إرادة المأمور به.
  الاشعرية(١) بل) المؤثر في الصفة (إرادة) الموجد للفظ الصيغة (كونه أمراً).
  لنا: أنه قد ثبت أن الأمر لابد فيه من الصيغة المخصوصة، والاستعلاء والإرادة وكونه مريداً، ولا يصح أن يؤثر فيها غير ذلك؛ لأن الأمر قد أمتاز عما سواه بدون ذلك الغير، فلم يبق إلا أن يكون المؤثر راجعا إلى ما لابد منه في الأمر
(١) الأشعرية: أصحاب عمر بن أبي بشر الأشعري وهم أقوى المجبرة وأكثرهم اتساعا وقد تابعهم من المتأخرين الجويني عبد الملك، والغزالي وابن الخطيب الرازي. وأبو بكر الباقلاني. (تمت مقدمة البحر الزخار ص ٤٩).