[فصل: في الأمر]
  وليس إلا الآمر؛ لأن ما عداه من الصيغة والمأمور والمأمور به وغير ذلك لا يصلح؛ لأنها مع التهديد ونحوه ومع الأمر على سواءٍ، ولا يصح أن يكون المؤثر فيها ذات الآمر، ولا شيء من المعاني المختصة به، ولا من الصفات الثابتة له إثباتاً ونفياً ما عدا الإرادة، وكونه مريداً؛ لأن غير ذلك مع الأمر والتهديد على سواءٍ، فتعين أن يكون المؤثر في كونه أمراً هو الإرادة، والتأثير في التحقيق لكونه مريداً، لكن لما كان المؤثر في كونه مريداً الإرادة نُسِبَ التأثير إليها، إنما كان التأثير لغيرها؛ لأنها لا تؤثر إلا فيما تعلقت به، وهي هنا إنما تعلقت بالمطلوب، فكيف تؤثر حقيقة في غيره وهو الطلب.
  ثم هذه الصفة وهو كونه مريداً، إمَّا أن تتعلق بمجرد إحداث الصيغة أو بصفتها، وهو كونها أمراً، أو بما تناولته، لا يصح أن يكون تأثيرها لتعلقها بإحداث الصيغة؛ لأن تعلقها بذلك مع الأمر والتهديد على سواءٍ ولا لتعلقها بصفتها كما هو رأي الأشعرية؛ لأن تعلقها بكون الصيغة أمراً فرع على ثبوت كونها أمراً، وثبوته متفرع على تأثير المؤثر فيه، وهذا دور محض لاشك فيه، فلم يبق إلا أن المؤثر فيها كونه مريداً للمأمور به وهو المطلوب.
  قالوا: الأمر كالخبر إذ هما قسمان من أقسام الكلام، فكما أن الخبر خبر لإرادة كونه خبرا ولم يقدح في ذلك ما ذكرتم كذلك الأمر.
  (قلنا:) لو كان كما زعمتم، للزم أن يثبت هذا الحكم لهذه الصيغة في كل حالٍ، (فتكون أمراً وإن كره المأمور به)، إذا أراد كونها أمراً في نحو: اصنع ما شئت تهديداً، وليس بأمرٍ هنا اتفاقاً.
  لا يقال: إنه حينئذٍ لا يريد كونها أمراً؛ لما في ذلك من التدافع؛ لأنا نقول إذا جوزتم أن يكون أمراً وإن لم يرد المأمور به فسواء كونه غير مريد له وكونه كارها له، فلا تدافع.