القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[فصل: في الأمر]

صفحة 78 - الجزء 1

  وأنت تعلم أن الجواب المحقق هو ما يتضمن الحل والنقض، لا مجرد الإلزام والمعارضة كما هو طريقته # في كثيرٍ من مواضع هذا الكتاب.

  وقد ذكر بعضهم وجهين في الفرق بين الأمر والخبر:

  أحدهما: أنا نعلم من أنفسنا أن المخبر قد أراد كون الصيغة خبراً، ولا نجد مثل ذلك في الأمر، فلا يلزم التساوي مع الاختلاف في الفائدة.

  الثاني: أن معنى تعلق الإرادة بكونه خبراً هو أن المتكلم بالخبر يريد إعلام الغير بما تناوله كلامه، ووقوف الغير على ما في نفسه، فلم يكن في ذلك دور كما في الأمر، بأن يقال إن تعلقها بكون صيغة الخبر خبراً متوقف على كون الصيغة خبراً، وثبوت كونها خبراً متوقف على تعلق الإرادة بكونها خبراً، ومثل هذا لا يتأتى في الأمر.

  وأنت خبير بما فيهما من التعسف الذي لا يفيد ولا يجدي؛ لأن ما تضمناه لم يتجاوز دائرة الدعوى، وأيضاً فلو كان الأول وجدانياً لاشترك فيه العقلاء كغيره من الضروريات، والوجه لم يجري مثله في الأمر.

  وقال (أبو القاسم) الكعبي (بل) ثبت كونه أمراً (لعينه) وذاته، فظاهر قوله أنه يجعل ذلك صفة ذاتيةً كالجوهرية والسوادية.

  (قلنا:) لو كان كذلك لم تخرج الصيغة عن كونها أمراً، (فيكون التهديد أمراً)، وكان يجب أن يعم الأمر جميع من يصح أمره إذ لا مخصص.

  واعلم أن الرازي ذهب إلى أن الصيغة تكون أمراً بالوضع من غير اعتبار إرادة كأسد، وحمل قول أبي القاسم على ذلك، وليس ببعيد عن المقصد، واحتج لما أدعاه، بأنه قد ثبت أن ماهية الأمر والنهي والخبر وغير ذلك من أقسام الكلام، ماهيات معلومة ضرورة لكل العقلاء من أرباب اللغات أجمع، بل للصبيان، ونعلم تفرقة ضرورية من طلب الفعل وطلب الترك والإخبار والاستفهام،