[فصل: في الأمر]
  حينئذٍ.
  فالذي عليه الزيدية والمعتزلة أن ذلك (يوجبها جميعاً على التخيير)، وفسره أبو الحسين بأنه لا يجوز الإخلال بجميعها ولا يجب الإتيان به، وللمكلف أن يختار أياً ما كان، ولهذا قال أصحابنا إنه تعالى يريد من المكلف الإتيان بها أجمع، إذ كلها طاعات وواجبات ويكره تركها أجمع؛ لأن في ذلك إخلالاً بالواجب، ويريد من المكلف فعل بعضها بعد فعل البعض لما ذكرناه، ولا يكره ترك بعضها بعد فعل البعض؛ لأنه لا يكره منِّا إلا القبيح، أو الإخلال بالواجب الذي لم يسد غيره مسده، وهذا غير ثابتٍ فيما ترك بعد فعل بعضها.
  (وقيل:) لا يقتضي ذلك إلا (واحداً) منها (لا بعينه)، من حيث هو أحدها، ولا يوجب غيره، ذهب إلى هذا الأشاعرة.
  قال بعضهم: فإن قيل الواحد الجنسي بما هو واحد، إنما يتصور وجوده في الأذهان، لا في الأعيان، فيستحيل طلبه.
  قلنا: يستحيل طلبه دون الأفراد لا في ضمنها؛ لجواز طلب المشترك في ضمن الأفراد.
  (لنا:) أن النص وهو قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ...} الآية [المائدة: ٨٩] دل على التشريك بين هذه الأمور، فثبت (استواؤها في تعلق الأمر)، الذي هو موضوع الإيجاب بها ولفظ أو موضوع للتخيير، فبان أن لكل واحد منها حظاً في الوجوب على البدل، إذ لا نعني بوجوبها على البدل إلا أنه تعالى أوجبها علينا بالأمر، وخيرنا في تأدية أيها شئنا، فيجب الحمل عليه؛ لأن الصرف عن المدلول، إنما يكون عند امتناعه، وليس بممتنع، والخصم لا يساعد إلى عدم امتناعه؛ لأنه المتنازع فيه، ويدعي دلالة ذلك النص على وجوب واحد من تلك الأمور ليس إلا.