[فصل: في الأمر]
  (و) لنا أيضاً: أنه قد ثبت أنه إذا فعل وَاحِدَةً منها قامت مقام صاحبتها فقد استوت في تعلق (المصلحة) واللطف (بها)، وإلا لكان تعالى قد ساوى بين ما يتضمن المصلحة وبين مالا يتضمنها، وهو لا يصح، (فاستوت في الوجوب على التخيير).
  قالوا أولاً: قد ثبت إجماع الأمة على وجوب تزويج أحد الكفوين الخاطبين بالتخيير، وعلى وجوب إعتاق واحد من جنس الرقبة في الكفارة بالتخيير، فلو كان التخيير يقتضي وجوب الجميع، لوجب تزويج الجميع، وإعتاق جميع الرقاب، وهو خلاف الإجماع.
  قلنا: إنا إنما قلنا بوجوب ذلك على البدل، ولا نسلم أنه يقتضي مخالفة الإجماع، فإنه نفس محل النزاع، وما ذكرتموه مجرد استبعاد في محل النزاع، وإنه لا يجدي نفعاً.
  قالوا ثانياً: لو كانت كلها واجبة لم يسقط الوجوب والذم والعقاب بواحدة، إذ الوجوب والمصلحة فيها على سواء.
  قلنا: إنما يلزم ذلك لو لم تكن الواحدة منها قائمة مقام الأخرى في وجه الوجوب، وليس كذلك، فإنه إذا فعل واحدة منها قامت مقام صاحبتها في المصلحة واللطف، فلم يكن هنالك بعد فعلها وجه يلزم لأجله فعلهما.
  وفائدة الخلاف: إنما تظهر في أمرين لفظيٍ، وهو أن الواصف لها بأنها كلها واجبة غير كاذبٍ عندنا، وكاذب عند الخصم، ومعنويٍ حيث حلف الحانث قبل الكفارة بطلاق امرأته مثلاً، أنه لا عتق عليه أو نحوه، فإنه يأثم عندنا في يمينه، ويكون غموساً، وتطلق امرأته، والخصم يخالف في ذلك.
  وهذه المسألة كما قيل عريضة الدعوى قليلة الجدوى للاتفاق على أنه لا يجب على المكلف الجمع بينها، وأنه لا يسعه ترك كل واحد منها، وأنه يجزيه التكفير بأيها، وأنه لو كفر بغير ما كفر به أجزأه، وأن الإثابة إنما تكون القدر المستحق على