القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

فصل: [في النهي]

صفحة 112 - الجزء 1

فصل: [في النهي]

  (والنهي) هو (قول القائل لغيره لا تفعل، ونحوه على جهة الاستعلاء مع كراهة المنهي عنه)، وهذه القيود قد عرفت فائدتها في حد الأمر، (ويصير) النهي (نهياً بالكراهة) للمنهي عنه، (خلافاً للمجبرة)⁣(⁣١) فزعموا أنه يصير نهياً بإرادة كونه نهياً.

  (لنا) أنه (قد يرد تهديداً)، نحو أن يأمر السيد عبده بفعل فتلكأ عليه، فيقول لا تفعل متوعدًا له، وتحقيراً كقوله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ...} الآية [طه: ١٣١]، وبياناً للعاقبة كقوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}⁣[إبراهيم: ٤]، ودعاء كقوله ÷ «ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين»، ويأسا كقوله: {لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ}⁣[التحريم: ٧]، وإرشاداً كقوله تعالى {لَا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ}⁣[المائدة: ١٠١].

  وحينئذٍ (فلا يتميز) النهي عن سائر تلك المعاني (إلا بها)، فإن الناهي كاره لما نهى عنه، والمتهدد مريد لما تضمنته الصيغة ونحو ذلك، وقد تقدم في الأمر من التفصيل ما يغني هنا عن التطويل.

  نعم وصيغته تخالف الأمر في أن حكمها التكرار فينسحب حكمها على جميع الأزمان، والفور فيجب الانتهاء في الحال، وأيضاً فإن الأستاذ نقل إجماع القائلين بكون لا تفعل للتحريم على أنها قبل الإيجاب وبعده سواء في كونها للحظر، وإنِّ


(١) الْمجبرة يُسَمَّوْنَ مجورة، وقدرية، ومجبرية، ولا يرضون أيّها. بل يَتَسَمَّوْنَ بالسُّنِّيَّةِ ويجمع مذهبهم: القول بخلق الأفعال، وإرادة المعاصي، وتعذيب من يشاء بغير ذنب، وأن فعله تعالى لا لغرض، وأنَه لا يقبح منه شَيْءٌ، وأَنَّ القبائح بقضائه وقدره إلى غير ذلك. (تمت مقدمة البحر الزخار ص ٤٢).

(*) المجبرة: جماعة تؤمن بأن الإنسان مُسَيَّرٌ في تصرفاته، وأفعاله كلها لا مُخَيَّرٌ. فهم يقفون على النقيض من نظرية الاختيار الاعتزالية. وذلك أنهم لا يفرقون بين الأعيان، وبين الأفعال، وأن الله لديهم خالق لأفعال البشر كلها، خيرها، وشرها، وأن الإنسان مسير في أفعاله، بقضاء الله وقدره. (تمت من حاشية منهاج الوصول إلى معيار العقول ص ٢٣٦).