الثالث: الخطب المتعلقة بشهر ربيع الأول
  تعوطي الحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، و لا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، و إذا تعجب قلبها، و إذا تحدث اتصل بها فضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، و إذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جُلُّ ضحكه التبَسم، ويَفْتَرُّ عن شيء مثل حب الغمام.
  وأما بعض صفاته الخُلُقية: فقد قال الحسين بن علي #: سألت أبي عن دخول النبي ÷ فقال: كان دخوله ÷ مأذوناً له في ذلك، فكان إذا آوى إلى منزله جَزَّأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءً لله، وجزءً لأهله، وجزءً لنفسه، ثم جَزَّأ جُزْءَه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة بالخاصة، ولا يدخر عنهم شيئاً، فكان من سيرته في جزء الأمة: إيثارَ أهل الفضل بإذنه، وقسمته على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، يتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألتهم عنه، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم ويقول: «ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته فإنه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع إبلاغه ثبت الله قدميه يوم القيامة»، لا يذكر عنده إلاّ ذلك، ولا يقبل من أحدٍ غيره، فيدخلون رُوَّاداً ولا يفترقون إلاّ عن ذواق، ويخرجون أَدِلَّة.
  قال: فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟
  فقال: كان رسول لله ÷ يخزن لسانه إلاّ مما يعنيهم، ويؤلفهم لا يفرقهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس بأن يحترسهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خُلُقَه، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسِّن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهيه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا، ولا يقصر عن الحق ولا يجوزه، الذين يلونه من الناس خيارُهم، وأفضلُهم عنده أعمُّهم نصيحة، وأعظمُهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.
  قال: فسألته عن مجلسه؟