الثالث عشر: الخطب المتعلقة بالفضائل والخصال الحميدة ومكارم الأخلاق
  الأغراب بلداً ومعتقداً، أما مع الجيران من الصحابة فهو أكثر اعتناءً، فلم ينس جيرانه وهو أكثر الناس انشغالاً، وأفضلهم نفساً.
  فعن عائشة أنها ذات ليلة صنعتْ لرسول الله ÷ قرصًا من شعير، قالت: فأقبلتْ شاة لجارنا داجنة - يعني: لا تجد حرجًا من الدخول في البيوت - فدخلتْ، ثم عمدت إلى القرص فأخذتْه، ثم أدبرت به، فبادرتُها الباب، فقال ÷: «خُذي ما أدركتِ من قرصِك، ولا تؤذي جاركِ في شاته».
  فانظروا - عبادَ الله - إلى تربيته ÷ لأهل بيته، وحثِّه لهم على حسن التعامل مع الجار، وكف الأذى عنه، حتى في شاته التي تتعدى على طعام الآخرين.
  عباد الله: وبرغم نماذج الخير المتكاثرة، إلا أن حق الجار اليوم وفي هذه الأزمنة قد قصَّرنا فيه، وانتقصنا منه، وتهاونا كثيراً به، فلربما رأيت جارين لا يسلم أحدهما على الآخر إذا لقيه، وربما رأيت جاراً يؤذي جيرانه، ويطلع على حرماتهم، وينالهم منه الأذى بسائر صوره، أصواتٌ منكرة، وروائح مؤذية، وأذيات متعددة ومتنوعة، وفي الحديث الصحيح، قِيلَ لِلنَّبِيِّ ÷: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلاَنَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ÷ «لاَ خَيْرَ فِيهَا»، وقال: «لا يدخل الجنة مَن لا يأمن جاره بوائقه».
  وقد صرنا في عرفنا القاصر نعدُّ أفضل الجيران من كف شره وخيره، وكفُّ الشر خيرٌ، لكن المؤملَ بذلُ الخير، والموفق من قام بحق جيرانه، قربة لله، وطلباً لرضاه، وهرباً من سخطه، وفي الأثر المشهور المتداول بين الناس: من سعادة المرء الجار الصالح.
  وحق الجار يؤدى بأمور ثلاثة، من قام بها فهو خير الجيران:
  الأمر الأول: كفُّ الأذى عنهم، فالجار الموفق لا يؤذي جاراً، ولا يضيق طريقاً، ولا يزعج أحداً بصوت ولا فعال، ولا يؤذي بأي أنواع الأذى، وقد قال ÷: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره».