الثالث عشر: الخطب المتعلقة بالمواعظ البليغة (حول الدنيا والموت والقيامة والجنة والنار)
  أيها المؤمنون: إن الشيطان لا يريد بنا خيراً أبداً، وإنما يزين لنا ويسول ويوسوس أنه في صالحنا، ويوهمنا بالغرور أنه يحرص على صلاحنا، وهو بالعكس من ذلك، إنما يمكر ويحتال ويغر ويخدع حتى يوقع الإنسان في مصائده، كما قد فعل ذلك مع أبينا آدم وأمنا حواء، كما قال تعالى {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ٢٠ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ٢١ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ}[الأعراف: ٢٠ - ٢٢]، فنجحت خطته الخبيثة فيهما، بسبب أقسامه وأيمانه وحلفه الكاذب.
  فهو يمشي في بني آدم بنفس الخداع والمكر، كما قال تعالى {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ٣٨}[العنكبوت]، فالشيطان يدخلنا في المعاصي، ويسهل أمرها علينا، ويوهمنا أن لنا فوائد إذا ارتكبنا المعاصي، كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ٩٠ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ٩١}[المائدة].
  فالمعاصي رجس خبيث من أعمال الشيطان، ويريد من خلالها أن يوقع العداوات والبغضاء بين الناس بسبب ارتكابهم لها، وأن يصدهم عن ذكر الله بما يشغلهم به من اللهو واللعب والطرب، وأن يصدهم عن الصلاة بما يؤثرونه من أعمال الدنيا على أوقات الصلوات.
  وقد يكون الشيطان مسلطاً على بعض العصاة، عقوبة من الله لهم في الدنيا معجلة، كما قال تعالى {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ٨٣}[مريم]، وقوله تعالى {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ٢٧}[الأعراف]، وكما يقول تعالى {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ٣٦}[الزخرف]، فمن لم يكن ولياً لله كان ولياً للشيطان إذ لا واسطة بين الأمرين.
  وقد جعل الله تعالى قسماً من عباده في حرز وحصن من الشيطان، وهم المؤمنون المخلصون، وقد أظهر الشيطان عجزه عنهم، كما قال تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي