إلحادهم في أفعاله تعالى
  قالوا: قلنا تحصل هذه الحوادث بإحالات الأجسام واستحالتها فإذا طولبوا بالإحالة ما هي؟ لم يتحققوها شيئاً معلوماً.
  قلنا: فنحن نرى في هذه الحوادث من الأعاجيب الفائقة، والصور البديعة الرائقة، والصناعة الدقيقة المحكمة، ما يبهر كل عقل وافر، ويدل على الصانع الحكيم القادر، وبعد فما به شيء من هذه المحدثات إلا وقد أخبر الحكيم سبحانه بإحداثه ولم يكل تدبيره إلى غيره من الزروع والثمار والفواكه والأشجار قال تعالى {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ٢٤ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ٢٥ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ٢٦ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ٢٧ وَعِنَبًا وَقَضْبًا ٢٨ وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا ٢٩ وَحَدَائِقَ غُلْبًا ٣٠ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ٣١ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ٣٢}[عبس]، وليس من نبات على وجه الأرض إلا ونحن نستنفع به أو يستنفع به شيء من الحيوان، وأخبرنا سبحانه بأنه تولى صنعه ولم يكل ذلك إلى غيره، والمتقرر من مذاهبنا ومذاهب آبائنا بل من دين كافة أهل الإسلام أن العالم لو خلا من تدبيره تعالى طرفة عين لفسد وتغير وانهار وتكور، وبعد ذلك فلو جوزنا وجود كراع نملة أو أقل جزء ورقة نَقُلْهُ صنعاً لغير الله سبحانه، لأشركنا معه غيره ولجوزنا وجود الأجسام من غير القديم القادر لذاته، وذلك كفر.
  واعلم أن ما روينا عنهم إلا ما ناظرونا عليه مراراً وراجعونا فيه أسفاراً، ليلًا ونهاراً، فربما صرحوا به في الزروع(١) جملة، وربما قالوا لم يخلق الزرع تعالى في الأرض المغصوبة.
  فإن قلنا: لم؟.
  قالوا: لأنه يكون عوناً للغاصب؟
(١) بمعنى - ينفون أن الله خلق شيئاً من الزروع أصلاً.