المنتخب والفنون،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

باب الطلاق

صفحة 278 - الجزء 1

  قلت: بلى.

  قال: فأين ميز بينهم وفَرَّق؟

  قلت: في الحدود، في قوله: {فَعَلَيۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِۚ}⁣[النساء: ٢٥]، فجعل على المملوك والمملوكة إذا زنيا نصف ما على الحر والحرة وهو خمسون جلدة، وكذلك أيضاً في النفس فحكم في كتابه ألا يقتل حر بعبد، فقال في ذلك: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ٱلۡحُرُّ بِٱلۡحُرِّ وَٱلۡعَبۡدُ بِٱلۡعَبۡدِ}⁣[البقرة: ١٧٨]، فهذا الذي ميز الله بينهم وفَرَّق.

  قال: صدقت وأوجبت على نفسك الحجة بهذا.

  قلت: وكيف أوجبت على نفسي الحجة بهذا؟

  قال: لما فرقت وميزت بينهم كما فعل الله ø بهم، فهل جمع الله بينهم في شيء غير ما فرق بينهم؟

  قلت: لا أشك في أن الله قد جمع بينهم في كتابه في غير ما فرق بينهم، فبينه لي أنت فإنه عندك أوجد ومنك أبين؟

  قال: نعم، قوله تبارك وتعالى: {وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا جَزَآءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَٰلٗا مِّنَ ٱللَّهِۗ}⁣[المائدة: ٣٨]، ولم يذكر في هذا القطع حراً ولا عبداً، وأغفل ذكرهما؛ لأنه جمعهما في ذلك فكانا فيه على معنى واحد في القطع، فجمع بينهما فيه؛ فإذا سرق العبد قطعت يده، وإذا سرق الحر قطعت يده؛ لحكم من الله ø فيهما وجمع منه فيه بينهما، ولم يميز بينهما في هذا الموضع لإرادته الجمع بينهما فيه، فافهم هذه المعاني، فإنه لا يفقهها إلا ذو لب، ثم قد جئت إلى النكتة التي سألت عنها بعينها من طلاق المماليك وطلاق الأحرار أنهم فيه سواء لا فرق بينهم فيه؛ لأن الله تبارك وتعالى لم يفرق بينهم في كتابه، ولم يميز بعضهم من بعض، وأغفل ذكرهم فيه والتمييز بينهم؛ لإرادته من الجمع بينهم فيه، كما أغفل التمييز بينهم في القطع لإرادته الجمع بينهم فيه.

  قلت: قد فهمت، فزدني حجة وبياناً في تفسير معنى الجمع بينهم وبين الأحرار في الطلاق؟