باب الطلاق
  قال: نعم والقوة بالله وحده لا شريك له، قوله تبارك وتعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَكَحۡتُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ}[الأحزاب: ٤٩]، فكانت هذه الآية جامعة في المخاطبة للأحرار والعبيد المؤمنين؛ لأن الله قد جمع بين العبد والحر المؤمن في الإيمان بقوله تبارك وتعالى: {وَلَعَبۡدٞ مُّؤۡمِنٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكٖ}[البقرة: ٢٢١]، فجعلهما في الإيمان معنى واحداً، وسماهما مؤمنين، فاجتمعا في اسم الإيمان وحكمه، فهذا تفسير ما عنه سألت قد بينته لك.
  والدليل على ما قلنا به: أن الله سبحانه جمع بينهم في هذه الآية وخاطبهم جميعاً الأحرار منهم والعبيد - إجماعُ آل الرسول مع الأمة بأسرها أن العبد مُطْلَقٌ له تزويج الحرة، لم يحظر الله ذلك عليه في كتابه، ولا الرسول ÷ فيما جاء عنه، وكذلك بتزويج المملوكة الحر إذا لم يستطع طولاً، فلما لم يفرق بين الأحرار والعبيد في نفس النكاح علمنا أنه لم يفرق بينهم في الطلاق، وإن أحببت أن أزيدك في تمييز الله تبارك وتعالى وتفريقه وجمعه فعلت.
  قلت: كلما زدت من هذا شيئاً ازددت به يقيناً؟
  قال: فافهم ما ميز الله سبحانه به بين الأحرار وفرق بينهم، وجمعهم في موضع آخر لم يذكر جمعهم فيه وأغفلهم؛ لإرادته الجمع بينهم، ولغنى أهل العقول ومعرفتهم للجمع بينهم لما أغفل ذلك، ولم يذكره سبحانه وجل عن كل شأن شأنه، ففرق بين الأحرار في الأنفس فحكم أن لا يقتل رجل بمرة وهو قوله: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ٱلۡحُرُّ بِٱلۡحُرِّ وَٱلۡعَبۡدُ بِٱلۡعَبۡدِ وَٱلۡأُنثَىٰ بِٱلۡأُنثَىٰۚ}[البقرة: ١٧٨]، ففرق بين الذكر والأنثى في القتل، وكذلك أيضاً فرق بينهما في الشهادة، فجعل المرتين في الشهادة بمنزلة شاهد واحد من الرجال، ثم جمع بينهما في الحد في الزنا فقال: {ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ}[النور: ٢]، فجمع بينهما في الحد، ثم جمع بينهما في الحد في موضع آخر بين الحر والحرة والمملوك والمملوكة في آية واحدة، ولم يميز بينهم فيها، ولم يذكرهم بتمييز وأغفل ذلك؛