المنتخب والفنون،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

باب الصلح

صفحة 538 - الجزء 1

  قال: لا يرجع عليه بشيء؛ لأنه قد انتقل حقه إلى غيره بضمانه له.

  قلت: فإن الذي كان له الحق صالح الضامن على بعض حقه الذي ضمن له وقبض منه ما صالحه عليه، هل يرجع على الذي كان له عليه الحق أولاً بشيء؟

  قال: لا؛ لأنه لما صالحه وقد تيقن أن حقه صار على الضامن سقط حقه عن الأول.

  قلت: فإن رجلاً كان له على رجل دين مائة دينار، فطالبه فجحده الذي عليه الحق، وقال: ليس لك عندي شيء، فدخل داخل بينهما بصلح، فأصلح بينهما على خمسين ديناراً؛ فقبضها ثم وجد بعد ذلك شهوداً يشهدون له بالمائة، هل له أن يطالب بما بقي له من المائة؟

  قال: نعم، له أن يطالب؛ لأن كل صلح مثل هذا فهو غير جائز، إذا كان المصالح منكراً.

  قلت: فكيف يكون الصلح الجائز؟

  قال: افهم هذا الأصل في الصلح، ولا تلتفت إلى ما يقول هؤلاء الجهال - اعلم أن كل صلح يكون بعد إنكار المدعى عليه الحق فإنما هو شبه الغصب إذا جحد الذي عليه الحق؛ لأن صاحب الحق يقول: أخذ بعض حقي، خير من أن يذهب كله، فهو ملجأ إلى أخذ بعض حقه إذا لم يكن له بينة، فهذا متى ما وجد البينة طالب صاحبه بما بقي له عليه وبطل الصلح في هذا الموضع. وأما الصلح الجائز: فإذا كان لرجل على رجل مائة دينار واعترف بها الذي هي عليه وأقر بها، ثم طلب إلى صاحبه أن يضع له منها ويصالحه على بعضها بطيبة نفسه ففعل جاز هذا الصلح إذا دفع إليه ما صالحه عليه قبل أن يفترقا، ولم يكن له عليه رجعة.

  قلت: فإن لم يدفع إليه ما صالحه عليه في مجلسه، هل يتم الصلح؟

  قال: ينبغي أن يستقبلا صلحاً جديداً؛ لأن الصلح مثل الصرف.