باب القول في المحاربين
  قال: لإرادته لسعة لغة العرب حتى تتسع لغتها، فقال: {وَأَرۡسَلۡنَٰهُ إِلَىٰ مِاْئَةِ أَلۡفٍ أَوۡ يَزِيدُونَ ١٤٧}[الصافات]، فمعنى أو يزيدون إنما هو ويزيدون؛ لأن الله ø لا يشك في إدخال الألف في قوله: {أَوۡ يَزِيدُونَ ١٤٧} كما أدخل: {أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ}، وفي كلام العرب شواهد كثيرة على ما قلنا.
  قلت: فإن جاء رجل من هؤلاء المحاربين تائباً منيباً قبل أن يقدر عليه الإمام أو يأخذه ببعض سرايا المسلمين، وكذلك إن هجم هو على الإمام يذكر له من نفسه توبة وإنابة وإقلاعاً عما كان عليه من محاربته؟
  قال: يجب على الإمام إذا أتى المحارب كذلك تائباً منيباً أن يقبله ويؤمنه على نفسه وماله.
  قلت: وكذلك إن كتب المحارب إلى الإمام يسأله أن يؤمنه على نفسه بما فعل ويقدم؟
  قال: ينبغي للإمام أن يؤمنه على ذلك إذا كان ذلك أصلح للمسلمين.
  قلت: فإن عرض له أحد ممن يحاربه أو أخذ ماله؟
  قال: يمنعه منه الإمام، ولا يترك أحداً يتعرض له، ولا يطالبه بعد أن يؤمنه الإمام.
  قلت: فإن قتله رجل ممن أخذ ماله، أو قتل له أخاً أو قريباً؟
  قال: ينبغي للإمام أن يقتله به.
  قلت: ولم يقتله به وقد قتل أخاه أو قريبه؟
  قال: لأنه لما تاب من قبل أن يقدر عليه الإمام، ثم أتى الإمام وهو تائب، وأَمَّنَهُ الإمام حقن دمه، فذلك الذي قال الله: {إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبۡلِ أَن تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهِمۡۖ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٣٤}[المائدة]، فأهدر هذا عنه كل شيء مما فعل إذا كانت توبته خالصة مقلعاً عن ذنبه إليه بالحقيقة.
  قلت: فإن أخذه الإمام في بعض البلدان أو أخذه له عامل، فأتى به إلى الإمام