[أفعال القلوب]
  وقد جاء «رأيت» بمعنى الظن قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ٦ وَنَرَاهُ قَرِيبًا ٧}[المعارج]، أي: يظنونه بعيداً ونعلمه قريباً. وهذه الأفعال كلها (تدخل على الجملة الاسمية) من المبتدأ والخبر (لبيان ما هي عنه) أي: لبيان ما يكون تلك الجملة صادرة خبراً عنه، فإن كانت عن علم أدخلت عليها علمت ونحوها تقول: «علمت زيداً قائماً»، وإن كانت عن ظنٍّ أدخلت عليها ظننت أو نحوها: «ظننت زيداً قائماً» (فتنصب) هذه الأفعال (الجزأين) من الجملة معاً على أنهما مفعولاها كمفعولي أعطيت؛ وذلك لتعلق الفعل بالجزأين(١) جميعاً كما قدمنا، وقد جاء جعل بمعنى زعم كقوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا}[الزخرف: ١٩]، أي: اعتقدوهم وغير ذلك. (ومن خصائصها) أي: ومن خصائص أفعال القلوب هذه (أنه إذا ذكر أحدهما) أي: أحد المفعولين (ذكر الآخر) حتماً؛ لأنهما في معنى مفعول واحد؛ إذ معنى قولك: «علمت زيداً قائماً» علمت(٢) قيام زيد، وقد تقدم تعليل المصنف بكونهما في الأصل مبتدأ وخبر، ونُظِّر؛ لأنه يلزم أن يجوز حذف أحدهما مع القرينة، وقد أجازه ابن مالك، ومنه قول الشاعر:
(١) لاقتضائها منسوباً ومنسوباً إليه.
(٢) قال في الجامي: فلو حذف أحدهما كان كحذف بعض أجزاء الكلمة الواحدة ومع هذا فقد ورد ذلك مع القرينة على قلة أما حذف المفعول الأول فكما في قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ}[آل عمران: ١٨٠]، على قراءة ولا يحسبن بالياء المنقوطة من تحت بنقطتين أي: ولا يحسبن هؤلاء بخلهم هو خيراً لهم فحذف بخلهم الذي هو المفعول الأول وأما حذف المفعول الثاني فكما في قول الشاعر:
لا تخلنا على غراتك إنا ... طالما قد وشى بنا الأعداء
أي: لا تخلنا جازعين فحذف جازعين الذي هو المفعول الثاني. (جامي).