مصباح الراغب شرح كافية ابن الحاجب،

محمد بن عز الدين المؤيدي (المتوفى: 973 هـ)

[أفعال القلوب]

صفحة 259 - الجزء 2

  وقد جاء «رأيت» بمعنى الظن قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ٦ وَنَرَاهُ قَرِيبًا ٧}⁣[المعارج]، أي: يظنونه بعيداً ونعلمه قريباً. وهذه الأفعال كلها (تدخل على الجملة الاسمية) من المبتدأ والخبر (لبيان ما هي عنه) أي: لبيان ما يكون تلك الجملة صادرة خبراً عنه، فإن كانت عن علم أدخلت عليها علمت ونحوها تقول: «علمت زيداً قائماً»، وإن كانت عن ظنٍّ أدخلت عليها ظننت أو نحوها: «ظننت زيداً قائماً» (فتنصب) هذه الأفعال (الجزأين) من الجملة معاً على أنهما مفعولاها كمفعولي أعطيت؛ وذلك لتعلق الفعل بالجزأين⁣(⁣١) جميعاً كما قدمنا، وقد جاء جعل بمعنى زعم كقوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا}⁣[الزخرف: ١٩]، أي: اعتقدوهم وغير ذلك. (ومن خصائصها) أي: ومن خصائص أفعال القلوب هذه (أنه إذا ذكر أحدهما) أي: أحد المفعولين (ذكر الآخر) حتماً؛ لأنهما في معنى مفعول واحد؛ إذ معنى قولك: «علمت زيداً قائماً» علمت⁣(⁣٢) قيام زيد، وقد تقدم تعليل المصنف بكونهما في الأصل مبتدأ وخبر، ونُظِّر؛ لأنه يلزم أن يجوز حذف أحدهما مع القرينة، وقد أجازه ابن مالك، ومنه قول الشاعر:


(١) لاقتضائها منسوباً ومنسوباً إليه.

(٢) قال في الجامي: فلو حذف أحدهما كان كحذف بعض أجزاء الكلمة الواحدة ومع هذا فقد ورد ذلك مع القرينة على قلة أما حذف المفعول الأول فكما في قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ}⁣[آل عمران: ١٨٠]، على قراءة ولا يحسبن بالياء المنقوطة من تحت بنقطتين أي: ولا يحسبن هؤلاء بخلهم هو خيراً لهم فحذف بخلهم الذي هو المفعول الأول وأما حذف المفعول الثاني فكما في قول الشاعر:

لا تخلنا على غراتك إنا ... طالما قد وشى بنا الأعداء

أي: لا تخلنا جازعين فحذف جازعين الذي هو المفعول الثاني. (جامي).