المبحث الثامن الإيجاز والإطناب والمساواة
المبحث الثامن الإيجاز والإطناب والمساواة
  في مطلع هذا الكتاب عَرَضنا طائفة من أقوال العلماء في البلاغة، فكان من جملتها أن «البلاغة في الإيجاز»؛ وبيَّنا آنذاك متى يصح أن توصف البلاغة بالإيجاز، ثم ضربنا مثلاً آخر كانت البلاغة في نجوى المتحابين وقد طال حديثهما، وامتدت المناغاة أمداً. وخرجنا بنتيجة أن البلاغة ليست في الإيجاز، ولا في الإطناب، إنما البلاغة أن نخاطب الناس على قدر عقولهم، وفهومهم. نحدّث العلماء بلغة العلم، والأدباء بلغة الأدب، والصغار بما يحبّه الصغار، والنساء بما تفهمه النساء وتهفو إليه قلوبهن وعقولهن.
  وفي هذا المقام، وكتاب علم المعاني مشرف على بلوغ غايته، نعود إلى حيث بدأنا، فنؤكد ما قلناه في مطلع البحث، متأكدين، متثبتين؛ ونبالغ في الشرح والتأكيد، لنصل إلى أن البلاغة فن رفيع، وذوق مرهف، وكلمةٌ مجنحة، وروح عذبة شفّافة، وذكاء حاد عظيم.
  إني لأميل إلى تغليب أثر الذكاء على العوامل الأخرى، فالذكي وحده يبلغ ما لا يبلغه العالم والغني والأديب وسواهم من العالمين.
  ولعلنا لو ضربنا بعض الأمثلة على هذا الذكاء لآمنا أنه المفتاح لكل