البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

فن التشبيه

صفحة 32 - الجزء 2

  قال القاضي التنوخي⁣(⁣١):

  رُبَّ ليل قطعته بصدود ... وفراق ما كان فيه وَدَاعُ

  موحش كالثقيل تقْذَى به العـ ... ينُ وتأبى حديثه الأسماعُ

  وكأنَّ النجوم بين دُجاهُ ... سُنَنٌ لاح بينهُنَّ ابْتِدَاع

  مشرقاتٌ كأَنَّهنَ حِجَاجٌ ... تقْطَعُ الخصم، والظلامُ انقطاع

  يصف الشاعر ليلة حزينة قضاها مُسَمَّداً وحزيناً لصدّ من يحبّ، وسفره دون وداع ... كما يصف نجوم تلك الليلة بشدة البريق واللمعان وسط سماءٍ داجية.

  الشاهد في الأبيات هو الثالث: لقد شبَّه النجوم اللامعة البراقة في وسط ظلمة الليل بالسُّنن الإسلامية الواضحة المنيرة وسط رُكام البدع المستحدثة والضلالات المتكاثرة.

  المعنى المشترك الجامع للطرفين هو: ظهورُ أشياء مشرقة ملتمعة في جوانب شيءٍ مظلم أسود وهذا هو وجه الشَّبه.

  لكنا نلاحظ أن إشراق النجوم ولمعانها في وسط الظلام القائم أمرٌ حقيقي واقع.

  أما التماع السنن وسط ركام البدع والضلالات فخيالُ شاعر، إذ السنن، والبدع، والضلالات أمورٌ معنويةٌ لا لون لها، ولا رائحة، ولكن درج الناس


(١) أبو القاسم علي بن محمد بن داود بن فهم من أعيان القرن الرابع في العلم والأدب والكرم، وهو والد أبي علي المحس التنوخي صاحب (نشوار المحاضرة)، (انظر يتيمة الدهر (٣٣٦/ ٢).