البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الأول فن التشبيه

صفحة 33 - الجزء 2

  على تشبيه السُّنَّة وكل أمر شرعي بالنور والبياض، كما درجوا على تشبيه الكفر والبدع وكل ضلالة بالظلام، معللين ذلك بأنه لما كانت البدعة والضلالة، وكل ما هو جهل، يجعل صاحبها في حكم من يمشي في الظلمة، فلا يهتدي إلى الطريق، ولا يفصل الشيء من غيره، فلا يأمن أن يتردَّى في مهواة، أو يعثر على عدوّ قاتل، أو آفة مهلكة ... شبهت بالظلمة ...

  ولزم على عكس ذلك أن تُشبَّه السنة والهدى وكل ما هو علم بالنور. وعليها قوله تعالى: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}⁣[البقرة: ٢٥٧]، وقوله : «أتيتكم بالحنيفية البيضاء»⁣(⁣١)

  كذلك نستطيع تأويل البيت الثالث (مشرقات كأَنَّهنَّ حِجاجٌ تقْطَعُ الخصم). فالنجوم مشرقة ملتمعة، وكأنها الحُجج الدامغة التي يأتي بها الرجل ليفحم خصمه الذي يحاول طَمس الحق والتعتيم عليه ..

  إذن، الصفة المستخلصة من المشبه به - الطرف الثاني في التشبيه - هي ظهور شيء أبيض وسط ظلام أسود. وذلك هو وجه الشبه الذي جمع بين الطرفين.

  لقد كان في المشبه تحقيقاً، وكان في المشبه به تخييلاً.

  ***

  هناك شرطٌ آخر في وجه الشبه هو: صحة تحققه في طرفي التشبيه ... فلو قال قائل: النحو في الكلام كالملح في الطعام، وجب علينا رفض هذا القول إذا كان يعني: الكثرة مفسدة، والقلّة مصلحة ... لأنه إذا صحّ هذا في الملح


(١) انظر تهذيب الإيضاح ٢٢/ ٢.