الباب الأول فن التشبيه
  الذي يوضع على الطعام فإنه لا يصح في النحو الذي على أساسه ينضبط الكلام. أما إذا كان يقصد أصول النحو الكبرى من إقامة الفاعل مرفوعاً والمفعول منصوباً، وما إلى ذلك من أمور عامة أساسية فالتشبيه مقبول ونقول حينئذ: إن وجه الشبه هو (كون الاستعمال مُصلحاً، والإهمال مفسدا).
  ومثل هذا ما حكي أن ابن شرف القيرواني(١) أنشد ابن رشيق(٢) قوله:
  غَيْرِي جَنَى، وأنا المعَذِّبُ فِيكُمُ ... فَكَأَنَّنِي سَبَّابَةُ الْمُتنَدِّمِ
  وقال له: هل سمعت هذا المعنى؟ فقال ابن رشيق: سمعته وأخذته أنت وأفسدته، أما (الأخذ) فمن النابغة الذبياني حيث يقول:
  حلفتُ فلم أترك لنفسك ريبةً ... وهل يَأْثمنْ ذُو إِمَّةٍ وهو طائع(٣)
  لكلَّفتني ذنب امرئٍ وتركته ... كَذِي العُرَّيكوَى غَيْرُهُ وهو رائع(٤)
  وأما (الإفساد) فلأن سبابة المتندّم أول شيء يُتألم منه، فلا يكون المعاقب غير الجاني(٥)، وهذا بخلاف بيت النابغة، فإن المكويَّ من الإبل يألم، وما به عُرٌّ الْبتَّةَ، وصاحبُ العر لا يَأْلَمُ جُملة.
  ***
(١) هو ابو عبد الله محمد بن أحمد بن شرف الجدامي القيرواني، رافق ابن رشيق في خدمة المعز ابن باديس الصنهاجي خليفة الفاطميين على إفريقية، على منافسة بينها شديدة زالت بموت المعز، ثم ارتحل أيام ملوك الطوائف إلى الأندلس ومات بالمرية سنة ٤٦٠ هـ ١٠٦٧ م (انظر النتف للراجكوني ص ١١٢).
(٢) هو الحسن بن رشيق صاحب، (العمدة)، له شعر رقيق يحسنه بالبديع. توفي بجزيرة صقلية سنة ٤٦٥ هـ/ ١٠٦٣ م (انظر النتف للراجكوتي).
(٣) ذو إمّة: ذو دين، أو ذو نعمة أُسديت إليه.
(٤) العُر: (بالفتح والضم) الجرب.
(٥) لأنه هو الجاني بعض نفسه لا غيره، والمعاقب المجني عليه في بيت النابغة هو البعير الصحيح، والجاني المغرور لا يكوى عقاباً.