الباب الأول فن التشبيه
  يُسرعُ اللَّمح في احمرار كما تُسـ .... ـرع في اللمح مُقْلَةُ الغضبان(١)
  فإن تشبيه لمحات النجم وتألّقه مع احمرار ضوئه بسرعة لمحة الغضبان من التشبيهات النادرة التي لا تنقاد إلا لأديب.
  ومن ذلك قول الشاعر
  وكأنّ النجوم بين دجاه ... سُنَن لاح بينهن ابتداع(٢)
  فإن جمال هذا التشبيه جاء من شعورك ببراعة الشاعر وحذقه في عقد المشابهة بين حالتين ما كان يخطر بالبال تشابُهُهُما، وهما حالة النجوم في رقعة الليل بحال السُّنن الدينية الصحيحة متفرقة بين البدع الباطلة. ولهذا التشبيه روعةٌ أخرى جاءت من أن الشاعر تخيَّل أن السنن مضيئةٌ لّماعة. وأن البدع مظلمةٌ قائمة.
  هذا وقد جرى القدماء والمحدثون على تشبيه الرجل الجواد بالبحر والمطر، والشجاعِ بالأسد، والوجه الحسن بالشمس والقمر، والشهمِ الماضي في الأمور بالسيف، والعالي المنزلة بالنجم، والحليم الرزين بالجبل، والأماني الكاذبة بالأحلام، والوجه الصبيح بالدينار، والشعر الفاحم بالليل، والماء الصافي باللُّجين، والليل بموج البحر، والجيش بالبحر الزاخر، والخيل بالريح والبرق، والنجوم بالدُّرر والأزهار، والأسنان بالبرد واللؤلؤ، والسفن بالجبال، والجداول بالحياَّت الملتوية، والشَّيب بالنهار ولمع السيوف، وغرَّة
(١) لمح البرق والنجم: لمعانها ولمح البصر: اختلاس النظر.
(٢) معظم كتب البلاغة أوردت لفظة (دجاه) مضافة إلى ضمير التأنيث. ويغلب على ظننا أن الأصح كما أوردنا. ولقد أتينا من قبل على ما سبق هذا البيت ولحقه من أبيات.