البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

بين الفصاحة والبلاغة

صفحة 30 - الجزء 1

  كذلك حمل الباقلاني⁣(⁣١) في كتابه «إعجاز القرآن»⁣(⁣٢) على امرئ القيس حملة شعواء حين كان يحاول دراسة معلقته ومقارنتها بأسلوب القرآن الكريم؛ ووقف طويلاً أمام لفظة «مستشزرات» وصب جام غضبه وسخريته على الشاعر.

  ونحن نقول: إن ما يقوله البلاغيون والباقلاني في هذا الموضوع صحيح، بشرط أن نلتقط اللفظة، ونفصلها عن السياق الذي وردت فيه، فلا ننظر إلى ما سبقها من كلام ولا إلى ما لحقها، ولا نلتفت إلى الجو الذي يريد الشاعر أن يصوّره.

  ولكن هذا الحكم لا يصح في الدراسة الأدبية، والنقد، وفي تقرير فصاحة الكلمة أو عدم فصاحتها. ذلك أن الكلمة تحمل إلى جانب جَرْسها ووقعها في الأذن، وحركة اللسان بها إيحاء بالمعنى وظلالاً، وموسيقا، وما يسميه علماء الصوتيات بـ «الأونوماتوبيا Onomatopee»⁣(⁣٣) ويعنون بها موافقة الصوت للصورة.

  لنعد إلى معلقة امرئ القيس، والبيتين اللذين صوّر بهما فتاته. أراد أن يقول لنا: إن فتاته السمراء، ممشوقة القد، شعرها غزير، كثّ، متجعد، طويل. حاولت تنظيمه، فلفّفته غدائر ورفعته إلى أعلى على هيئة «شِنْيونْ»⁣(⁣٤)، وكأن الريح ضربته فانفلت جزء منه، وظل جزء آخر وحاولت تسريحه فضلت المشط طريقها، وبقي الشعر في مرفوعاً اضطراب.


(١) هو محمد بن الطيب، قاض بغدادي، من كبار علماء الأشاعرة، من كتبه «إعجاز القرآن» وسواها. ت ٤٠٣ هـ / ١٠١٣ م. الأعلام ٤٦/ ٧.

(٢) طبع بدار المعارف بالقاهرة سنة ١٩٥٤ م.

(٣) Onomatopoeia «بالإنكليزية» ويفسرها معجم المورد بأنها تسمية الأشياء بحكاية أصواتها.

(٤) Chignon، ويفسرها المورد بقوله: «كُعَيْكَة، أو جُدَيْلَة شعر ملتفة في مؤخر رأس المرأة».