مقدمة
  ويخيل إلينا أن الله تبارك وتعالى بارك هذا العلم كما بارك كل من اشتغل به وأحبّه، وأخلص له. ويدلّنا على صحة ذلك رفوف المكتبات العربية والإسلامية التي ما تزال مفعمة بمؤلفات البلاغة، سواء أكانت مطبوعة أم مخطوطة في حين أن كثيراً من المؤلفات في علوم أخرى طوته يد البلى، وعبثت به صروف الأيام، فلم تبق له أثراً.
  ***
  وتختلف نظرة العلماء المعاصرين إلى البلاغة العربية باختلاف ثقافاتهم واتجاهاتهم وميولهم الفكرية والاجتماعية.
  فريق يسعى إلى إلغاء دَوْر البلاغة العربية إلغاء تامًا، وإحلال علم النقد، أو علم الأسلوب محلّها. لأنه يزعم أن القدماء وقفوا في بلاغتهم عند حدود الشاهد المجتزأ المبتور، فأظهروا ما فيه من تشبيه أو استعارة أو سوى ذلك، ولم يتجاوزوا تلك الحدود. وهم - وأعني هذا الفريق يريدون أن يتخطوا الحدود ويكسروا القيود، لينطلقوا إلى آفاق الصورة الفنّية الكاملة، ذات الأطر والأبعاد والظلال والأنداء. والبلاغة العربية عاجزة بنفسها وبرجالها المعاصرين والغابرين عن بلوغ هذا الهدف الرفيع.
  هذا الفريق يدس السم في الدّسم، يظهر شيئاً، ويبطن أشياء؛ يتظاهر بالغيرة على الصورة الفنية، ويبطن شعوبية سوداء، أولها عداوة لكتاب الله، ولكلّ علم يخدم كتاب الله، أو يدور في فلكه والبلاغة من خَدَم القرآن وحُرّاسه، تسعى في المقام الأوّل إلى بيان إعجازه، ومن ثَمَّ تتجه إلى النصوص الأدبية التي أبدعها الناس.
  ولئن اهتمت البلاغة العربية بالشاهد الفرد فأظهرت وجوه البيان أو البديع فيه. إنّها لم تهمل النظرة الكلية الجامعة، والتعبير الوجداني، والأثر النفسي، والظلال والأفياء والأنداء وكتب عبد القاهر خير دليل