الباب الثاني فن المجاز
  (فالشهيق) في الآية الكريمة قد استعير (للصوت الفظيع) وهما لفظتان، و (الشهيق) لفظة واحدة، فهو أوجز على ما فيه من زيادة البيان.
  و (تميَّزُ) استعير للفعل (تنشق من غير تباين). والاستعارة أبلغ، لأن التميّز في الشيء هو أن يكون كل نوع منه مبايناً لغيره، وصائراً على حدته، وهو أبلغ من الانشقاق، لأن الانشقاق قد يحدث في الشيء من غير تباين.
  واستعارة (الغيظ) لشدة الغليان أوجز وأبلغ في الدلالة على المعنى المراد، لأن مقدار شدته على النفس مدرك محسوس، ولأن الانتقام الصادر عن المغيظ يقع على قدر غيظه، فقيه بيان عجيب، وزجر شديد، لا تقوم مقامه الحقيقة البتة(١)
  فالاستعارات هنا قد حققت غرضين من أغراض الاستعارة هما: الإيجاز والبيان، كما تضافرت معاً في رسم نار جهنم وإبرازها في صورة تنخلع القلوب من هولها رعباً وفزعاً، صورة مخلوق ضخم بطاش، هائل جبار مكفهر الوجه، عابس يغلي صدره غيظاً وحقداً
  فالاستعارة هي التي لونت المعاني الحقيقية في الآية كل هذا التلوين،
= الناشئ عن الفوران، وهذا الصوت يحدثه الله سبحانه وتعالى في النار لشدة إزعاج الكافرين. وتمَّيزُ: أي تنقطع وينفصل بعضها عن بعض من الغيظ: أي من غيظها منهم، والكلام كله تمثيل لشدة غليانها انتظاراً لهم فوجٌ: المراد به هنا جماعة من الكفرة والخزنة: جمع خازن، وهم الملائكة الموكلون بجهنم، وقد وصفهم الله في آية أخرى بأنهم غلاظ شداد لا يعصُون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
(١) انظر كتاب الصاعتين ص ٢٧١ وعلم البيان ص ١٩٧.