البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الثاني فن المجاز

صفحة 146 - الجزء 2

  وهي التي بثت فيها كل هذا القدر من التأثير الذي ارتفع ببلاغتها إلى حد الإعجاز

  ومن خصائص الاستعارة المبالغة في إبراز المعنى الموهوم إلى الصورة المشاهدة، كقوله تعالى في الإخبار عن الظالمين ومقاومتهم الرسالة رسوله: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ٤٦}⁣[إبراهيم] - على قراءة من نصب (لتَزُولَ) بلام كي -

  (فالجبال) ها هنا استعارة طوى فيها ذكر المستعار له، وهو أمر الرسول. ومعنى هذا أن أمر الرسول وما جاء به من الآيات المعجزات قد شبه بالجبال، أي أنهم مكروا مكرهم لكي تزول منه هذه الآيات المعجزات التي هي في ثباتها واستقرارها كالجبال.

  فجمال المبالغة الناشئة عن الاستعارة هنا هو في إخراج ما لا يدرك إلى ما يُدرك بالحاسّة تعالياً بالمخبر عنه وتفخيماً له، إذ صٌيّر بمنزلة ما يُدرك ويُشاهد ويُعايَنُ.

  وعلى هذا ورد قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ٢٢٤ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ٢٢٥ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ٢٢٦}⁣[الشعراء].

  فاستعار (الأودية) للفنون والأغراض من المعاني الشعرية التي يقصدونها، وإنما خص الأودية بالاستعارة ولم يستعر الطرق والمسالك أو ما جرى مجراها؛ لأن معاني الشعر تستخرج بالفكر والروية، والفكر والروية