الباب الثاني فن المجاز
  فيها خفاء وغموض، فكان استعارة الأودية لها أشبه وأليق لإبراز ما لا يحس في صورة ما يحس، مبالغة وتأكيداً.
  ومما ورد من الاستعارة في الأحاديث النبوية قوله ﷺ: «لا تستضيئوا بنار المشركين».
  فاستعار (النار) للرأي والمشورة، أي لا تهتدوا برأي المشركين، ولا تأخذوا بمشورتهم.
  فرأي المشركين أمر معنويّ، يدرك بالعقل، وتمثيله بالنار هو إظهار له في صورة محسَّة مخيفة، يبدو فيها رأي المشركين ناراً تحرق كل من يلامسها أو يأخذ بها.
  والسرّ في قوة تأثير هذه الصورة وجمالها راجع إلى مفعول الاستعارة، هذا المفعول الذي انتقل بالفكرة من عالم المعاني إلى عالم المدركات مبالغة.
  ومن خصائص الاستعارة أيضاً بثٌّ الحياة والنطق في الجماد - كما ذكرنا آنفاً، كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ١١}[فصلت].
  فكلّ من السماء والأرض جماد، تحوَّل بالتوسع الذي هياَّته الاستعارة إلى إنسان حي ناطق.
  وكقول الرسول ﷺ وقد نظر يوماً إلى جبل أحد: «هذا جَبَلٌ يحبنا ونُحِبُّه».