الباب الثاني فن المجاز
  فجبل أُحُد، هذا الجهاد، قد استحال بسحر الاستعارة إلى إنسان يجيشُ قلبُه بعاطفة الحب.
  كذلك من خصائص الاستعارة تجسيم الأمور المعنوية وذلك بإبرازها للعيان في صورة شخوص وكائنات حية يصدر عنها كل ما يصدر عن الكائنات الحية من حركات وأعمال.
  فأبو العتاهية(١) يهنئ الخليفة العباسي المهدي من قصيدة:
  أتته الخلافة منقادة ... إليهِ تُجَرِّرُ أذيالها
  فالخلافة بفعل الاستعارة تستحيل إلى غادة، هيفاء، مُدَلَّلة، ملُول فتن الناس بها جميعاً، وهي تأبى عليهم، وتصدُّ إعراضاً، ولكنها تأتي للمهدي طائعة في دلال وجمال، تجر أذيالها تيهاً وخَفَراً
  وأبو فراس الحمداني(٢) عندما يقول:
  ويا عفَّتي. مالِي؟ ومالَكِ؟ كلما ... هممت بأمر هَمَّ لي منك زاجر
  فما شأن عفة أبي فراس؟ وما شأن الصراع الناشب بينها وبينه؟ إنها تستحيل بلمسة من لمسات الاستعارة السحرية إلى إنسان يقف موقف الزاجر كلما همَّ الشاعر بأمر تراه العفة غير لائق به.
  فهذه الصورة الرائعة الخلابة المؤثرة ما كانت لتكون لو أن الشاعر
(١) شاعر عباسي اشتهر بالزهد.
(٢) أمير حمداني، وابن عم سيف الدولة، وبطل عربي مجاهد، أستر مرتين، وافتداء سيف الدولة، له شعر كثير أعظمه ما نظمه في بلاد الروم يوم كان أسيراً، وسمي بالروميات.