البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الثالث فن الكناية

صفحة 175 - الجزء 2

  يقول ابن الفارض من قصيدة أولها⁣(⁣١):

  زِدْنِي بِفَرْطِ الحب فيكَ تَحيراً ... وارحم حشى بلطى هواك تسعرا

  ولقد خَلَوْتُ مع الحبيب وبيننا سِرٌ ... أَرقُ من النسيم إذا سرى

  وأباح طرفي نظرة أملتها ... فغدوتُ معروفاً، وكنت منكرا

  فَدَهِشت بين جماله وجلاله ... وغدًا لسان الحال عنِّي مُخبرا

  فأدر لحاظكَ في محاسن وجهه ... (تَلْقَى) جميع الحُسْنِ فِيهِ مُصَوَّرا

  لو أن كل الحُسنِ يَكْمُلُ صورة ... ورآه كان مهللاً ومكبرا

  ظاهر هذه الأبيات غزل محض بفتاة آدمية، وتعن بالجمال وترنم بالوصال. ولكن قصد الشاعر شيء آخر ذلك أنه لم يكن رجل غزل إنساني، ولا صاحب لذات وسهوات، وإنما كان رجلاً متديناً، وفي أرقى درجات العفة والطهر والتقوى لذلك فإن شعره يحمل معنيين في أن واحد، معنى ظاهرياً هو الغرل، والصبابة، والأشواق، والمواجد؛ ومعنى باطنياً هو حب الله، والهيام به، والتشوق إلى لقياه، والدوام على ذكره و شكره، وحسن عبادته⁣(⁣٢)

  واقرأ مقدمة بردة البوصيري:

  أمن تذكر جيران بذي سلم ... مزجت دمعا جَرَى من مقلةٍ بدم

  أَمْ هَبَّتِ الربح من تِلْقَاء كاظمة ... وأومض البرق في الظُّلْمَاء من إِضم

  فما لعينيك إن قلت اكْفُفا همتا ... وما لقلبك إن قلت استفق يهم


(١) شرح ديوان ابن الفارض ص ٢٥٧.

(٢) انظر شرح البوربي والنابلسي لديوان ابن الفارض المطبوع في مرسيليا سنة ١٨٥٣ م.