القسم الأول جماليات في النظم والمعنى
  نعم سرى طيف من أهوى فأرقني ... والحب يعترض اللذات بالألم
  بالاثمي في الهوى العذري معذرة ... مني إليك ولو أنصفت لم تلم
  عدتك حالي لا سري بمستتر ... عن الوشاة ولا دائي بمنحسيم
  محضتني النصح، لكن لست أسمعه ... إنَّ المُحِب عن العذال في صمم
  ثم انتقل إلى موضوع التحذير من هوى النفس، ونظم في ذلك سبعة عشر بيتاً، وكان من جملتها البيت الذي غدا على كل شفة ولسان، وشاهداً ثابتاً في جميع كتب البلاغة في موضوع التشبيه التمثيلي وهو:
  وَالنَّفس كالطفل، إِنْ تُهمِلْهُ شَبَّ عَلَى ... حُب الرَّضاع، وَإِنْ تَفطِمهُ ينفطم
  ثم جاء إلى موضوع مديح الرسول ﷺ، وقد امتد به النفس في هذا إلى مائة واثنين وثلاثين بيتاً، وكان هذا القسم من الروعة في الصدق والحرارة، والفكرة، والتعبير والجرس الموسيقي بالغاً درجة عالية نكاد نقول: إنه لم يبلغها أحد قبله، ولا جاراه أحد بعده من الشعراء، حتى لقد ذكر بعض متذوقي هذا اللون من الأدب الرفيع أنَّه لم يمدح أحد رسول الله ﷺ بمثل ميمية البوصيري وهمزيته.
  وفي هذا القسم أبيات خالدة، من جملتها:
  دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... واحكم بما شيئت مدحاً فيه واحتكم.
  وفي هذا البيت ينفي البوصيري وصف رسول الله ﷺ بما وصف به النصارى عيسى # حيث زعموا أنه ابن الله، وأضفوا عليه صفات الألوهية والربوبية، وبذلك أشركوا بالله، وكفروا به كفراناً مبيناً. والبوصيري يضع حداً فاصلاً بين ما يجوز مدح رسول الله ﷺ به، وما لا يجوز، ذاك الفاصل يتجلى في صفة «العبدية» لله تعالى. فمحمد، ﷺ، أولاً وأخيراً عبد الله، مخلوق، تجري عليه سنة الحياة ونواميسها كما تجري على كل مخلوق سواه، إلا أنه يمتاز عن سائر المخلوقات بأنه سيد ولد آدم، وأنه خاتم رسل الله، وأنه الشفيع والمشفع، وأنه الممدوح بقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ٤}[القلم] وأنه الأسوة الحسنة، والمثل الأعلى لكل إنسان