القسم الأول جماليات في النظم والمعنى
  في هذا الوجود. وبيت البوصيري فيه:
  دع ما ادعته النصارى في نَبِيِّهِم ... واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
  وأكد هذا المعنى ثانية في قوله:
  فَمَبلَغُ الْعِلم فِيهِ: أَنَّهُ بَشَرٌ ... وأَنَّهُ خَيْرُ خَلَقَ اللَّهِ كُلهم
  وتستمر القصيدة على هذا النفس الرقيق والرفيع حتى تبلغ مائة وستين بيتاً.
  ***
  ويظهر لنا أن من أسباب ذيوع هذه القصيدة في عصر البوصيري وفي العصور تلت إلى يومنا هذا، وعلى امتداد العالم الإسلامي من أقصاه إلى أدناه أدن، ورغبة الشعراء في النظم على منوالها العناصر التالية:
  ١ - موضوع القصيدة أولاً وأخيراً ... ذلك أنَّ المسلمين جميعاً يطربون لكل قصيدة تمجد محمداً ﷺ وتعظمه وتمدحه.
  ٢ - سلاسة النظم وعذوبته، ورقة الألفاظ، وجمال التراكيب التي بنيت عليها القصيدة. فأنت فيها لا تحتاج إلى إعمال فكر لتفهم المعاني، ولا الرجوع إلى المعاجم لتقف على تفسير الألفاظ، ولا سؤال أهل الذكر لتوضيح صغيرة أو كبيرة فيها، وتلك أهم مقومات العمل البلاغي الناجح.
  ٣ - روعة الموسيقى وانسيابها عبر وزن البحر البسيط وخفة وقع القافية، وجمال الميم المكسورة في الروي ا. وكل هذه العناصر إذا اجتمعت رفعت العمل الفني إلى مرتبة اللحن الشجي الذي يُغَنّى، ويخترق سامعه حتى العظام.
  ٤ - قصة الرؤيا التي تحدث عنها البوصيري، فقد ذكر أنه بعد نظم هذه القصيدة رأي رسول الله ﷺ في المنام، فأنشده إياها، فخلع عليه بردته الشريفة، ونهض البوصيري مستيقظاً، فرأى فيه نهضة ونشاطاً، ووجد أنَّ الله تعالى قد شفاه من فالجه، وأمده بآلاء الصحة والعافية(١)، فخرج من بيته يمشي.
  واعتقد الناس بهذه القصيدة اعتقادات شتى، بعضها مقبول، وبعضها غير مقبول، وحفظوها، وأنشدوها في مجالسهم، وشطروها، وربعوها، وخمسوها،
(١) فوات الوفيات ٣٦٨/ ٣.