البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الطباق والمقابلة

صفحة 49 - الجزء 3

  طالما قلت للمسائل عنكم ... واعتمادي هداية الضلال

  إن ترد علم حالهم عن يقين ... فالقهم يوم نائل أو نزال

  تلق بيض الوجوه، سود مشار النّـ ... ـقع، خضر الأكناف، حمر النصال

  فلقد قابل بين البيض والسود، والخضر والحمر، لا بين مدلولات ما وصفت به، إذ أي تناف بين الوجوه البيض الكريمة وبين الغبار الأسود المثار، والأكناف المخضرة بإكرام الضيفان، والسيوف المحمرة بقتل الأعداء؟ والتدبيج هنا تدبيج كناية كالبيت الذي سلف.

  الثاني: أن يرد في مقام الدم. ومثاله ما قاله مسلم بن الوليد في امرأة بخلت عليه بوصال، فشبهها بأحد المشهورين بالبخل⁣(⁣١).

  واحببت من حبها ... الباخلين حتى ومقت ابن سلم سعيدا

  إذا سبيل عرفا كسا وجهه ... ثيابا من اللوم بيضا وسودا⁣(⁣٢)

  ويشبه ذلك ما ورد في مقامات الحريري: «فَمُذْ ازور المحبوب الأصفر. واغبر العيش الأخضر، اسود يومي الأبيض، وابيض فودي الأسود حتى رثى لي العدو الأزرق، فحبذا الموت الأحمر»⁣(⁣٣).

  قال الرماني وغيره: السواد والبياض ضدان، وسائر الألوان يضاد كل واحد منها صاحبه، إلا أن البياض هو ضد السواد على الحقيقة، لأن كل واحد منهما كلما قوي زاد بعداً عن صاحبه، وما بينهما من الألوان كلما قوي زاد قرباً من السواد، فإذا ضعف زاد قرباً من البياض، ولأن البياض منصبغ، والسواد صابغ لا ينصبغ. وليس سائر الألوان كذلك، لأنها تصبغ، وهذا ظاهر، فمن شك فيه فلا يُعَدُّ من العقلاء فضلاً عن العلماء⁣(⁣٤) ونذكر في هذا المقام قول المتنبي في كافور، وقد استخدم اللون في معرض القدح إذ قال:

  من علم الأسود المخصي مكرمة ... أقومه البيض ام آباؤه الصيد؟


(١) ديوانه ص ٢٧٠.

(٢) ومقت احببت سئل سئل عرفا معروفا.

(٣) المقامة البغدادية. والمحبوب الأصفر هو الذهب، اغبر العيش ذيل وتلف.

(٤) انوار الربيع ٤٧/ ٢.