الطباق والمقابلة
  ارتباطاتها النفسية والاجتماعية والأدبية وغيرها. هي التي دفعت كثيراً من الباحثين إلى اتهام علم البديع أولاً، ثم العلوم البلاغية الأخرى ثانيا بالقصور عن إدراك الجمال الفني في التعبير الأدبي الرفيع.
  ونعتقد أن هؤلاء النقاد محقون إلى حد كبير في اتهامهم، لو أبقينا العلوم البلاغية على ما هي عليه من جمود ومن قيود ومن تجزئة، وفصل عن العلوم الأخرى.
الطباق والصورة الفنية
  ونعود إلى الطباق، ونقرأ الأبيات التالية في ضوء نظرة القدماء، وما يجب أن ننظر:
  سألت صبية بدوي الجبل الشاعر السوري المعروف عن عمره، وهل بلغ الخمسين؟ وإذا كان، فليس له أن يُحب الجمال، ويتبع الحسن، وينظم الحب والغزل قصائد، فقال لها(١):
  أتسألين عن الخمسين ما فعلت ... يبلى الشباب، ولا تبلى سجاياه
  في القلب كنز شباب لانقاد له ... يُعطي، ويزداد ما ازدادت عطاياه
  فما انطوى واحد من زهو صبوته ... إلا تفجر ألف في حناياه
  هل في زواياه من راح الصبا عبق ... كل الرحيق المُندى في زواياه
  يبقى الشباب نديا في شمائله ... فلم يشب قلبه إن شاب فوداه
  تزين الورد ألواناً ليفتننا ... أيحلف الورد أنا ما فتناه؟
  عالم البلاغة القديم يقول بين «يبلى ولا يبلى» طباق بين الإيجاب والسَّلب. وبين «انطوى وتفجر» طباق بين فعلين، وبين «فلم يشيب وشاب» طباق بين السلب والإيجاب. وهناك محسنات بديعية أخرى. كما أن هناك ألواناً من البيان وعلم المعاني.
  ونتساءل: أيكفي هذا التحليل للحكم على أبيات الشاعر؟ أتظهر تلك الأقوال الإبداع الرائع الذي حلق فيه البدوي؟ أليس من حقه أن نذكر الثورة النفسية العارمة التي ملأت قلبه من سؤال الفتاة الذي جمع بين الشفقة والغمز؟ وتذكر الانفجار الكبير الذي تفجر به الشاعر، ونعرض للأجواء
(١) ديوان بدوي الجبل ص ٣٨٩.