البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الطباق والمقابلة

صفحة 55 - الجزء 3

  التي رسمها، والعطور التي نفحها، وألوان الكبرياء التي نثرها، والزينات التي رشها في كل بيت بل في كل صورة ولوحة؟

  لئن بلي الشباب الغض، وذوى الجلد اللدن في عينيك يا صغيرتي.

  فشباب السجايا وسجايا الشباب، وهي أكبر وأكرم من أن أنشرها بين يديك وأعرضها بين عينيك، لا تزال باقية لم يدلف إليها البلى. الشباب شباب القلب كما هو شباب الجسد، وإن كثيراً من الذين تراهم عيناك شبابا هم شيوخ في قلوبهم، فلا تَغرنك الظواهر، ولا تذهب بعقلك القشور. إن في قلبي كنزاً من شباب، ما يزال دفاقاً في العطاء، وكلما أعطى تفجرت فيه ينابيع وينابيع إن في قلبي زهو شباب، وكبرياء عطر، وندى رحيق، ولئن شاب فوداي فقلبي ما يزال غضاً، ونفسي ما تزال على وهج الحياة، ودفق العطاء. يا سائلتي، أتريدين أن تعرفينا على الحقيقة. أتريدين أن تعرفينا من نحن. نحن الذين فتنا الورد في عبقنا وعطرنا لقد ظن أنه تزين وتلون وتعطر ليفتننا نحن أكرم من في هذه الحياة وأجمل. نحن الورد والعطر والشذى.

  تزين الورد ألوانا ليفتننا ... أيحلف الورد أنا ما فَتَنَّاهُ؟

  وهذا عمر أبو ريشة يقف في حفلة أقيمت بحلب تكريماً للمجاهد الراحل إبراهيم هنانو، الذي ظل يجاهد الفرنسيين حتى الرمق الأخير. وقد نظم الشاعر القصيدة ووطنه السوري ما يزال يرسف تحت نير الانتداب الفرنسي. وعنوان القصيدة «قيود» قال منها⁣(⁣١):

  وطنٌ عليه من الزمان وقار ... النُّورُ مِلْءُ شعابِهِ والنَّارُ

  تغفو أساطير البطولة فوقه ... ويهزها مِنْ مَهْدِها التذكار

  فتُطِلُّ من أفق الجهاد قوافل ... مضر يشد ركابها ونزار

  سارت على هام الخطوب وَلِلْمُنى ... شبح على وهج الجحيم مثار

  والصبح من دفق الدخان دجنة ... والليل من سيل اللهيب نهار

  والموت جرح الكبرياء بصدره ... يعوي وتضحك حوله الأعمار

  فاخفض جناح الكبر هذي تربة ... غمر الخلود أريجها المعطار

  في كل صفع من جماجم تشيها ... حرم على شرف الجهادِ يُزَارُ


(١) ديوان عمر ابي ريشة ص ٥٥٢.