القسم الأول جماليات في النظم والمعنى
  لو درسنا القصيدة من خلال عدد «الطباق» أو «المقابلة» أو الفنون الأخرى البديعية لهوينا بالعمل الفني إلى الدرك الأسفل. ولو نظرنا إلى الأبيات في ضوء المرارة التي تملأ قلب الشاعر من وجود المستعمر الفرنسي فوق أديم الوطن الطاهر، ومن خلال استشهاد القائد المجاهد إبراهيم هنانو ثم من خلال ماضي هذا الوطن المشرف ومن تصميم أبنائه على النضال والتحرر وطرد الغزاة، ودققنا في شكل العبارات التي اختارها عمر فإننا نرى المدهش والمطرب والمعجب.
  أجل، إنه عمد إلى المقابلة في شتى صورها. واستخدم الطباق لوناً من ألوان التعبير. وذلك حين قال: «النور ملء شعَابِهِ والنَّارُ، والصُّبحُ من دَفْق الدخان دجنة، والليل من سيل اللهيب نهار، والموت. يعوي وتضحك حوله الأعمار ...» لكن الشاعر لم يقصد إلى هذه المقابلات عمداً لولا أنها سمة أصيلة من التعبير باللغة العربية. وأنَّ الإنسان العربي، بل الإنسان عامة، في كل مكان و زمان ولغة، لا يستطيع التعبير الكامل، دون اللجوء إلى هذه المتضادات من الألفاظ والمتقابلات من العبارات، ولقد أضفت على قصيدة الشاعر من الجمال ما لا يدخل في حسبان.
  إن قوله وهو يصف الوطن «النور ملء شعابه والنار» ليس لوناً بديعياً، أو زخرفاً معنوياً - كما زعم المؤلفون رحمهم الله في علم البديع - لكنه صورة فنية ضمت في أطرافها. جميع ما تشتمل عليه صورة الوطن في عين الشاعر. من ماض يعبق بالمجد، وحاضر يفوح بالشذا والأريج. وكأنا بالشاعر قد جمع على صعيد واحد الماضي والحاضر فرأى الماضي متلألئاً مشرقاً، مضيئاً بالأنوار، ذلك الماضي الذي يذكرنا ببني أمية وجحافل المجد والفتح التي انطلقت في أيامهم إلى شرق الدنيا وغربها تنشر النور والهدى ودين الله، كما يذكرنا ببلاد الشام التي تجمعت تحت لواء صلاح الدين الأيوبي وسارت صفاً واحداً إلى حطين والقدس، فطهرت الأرض من الصليبيين، وأعادتهم مهزومين مقهورين ذلك هو مما يجتمع تحت كلمة «النور».
  وأما النار فهي ما يراه من تأجج ثورات هنا وهناك، في كل مدينة وقرية، وسهل وجبل، ضد الغزاة الفرنسيين الذين تسللوا إلى الوطن، وقرروا أن يجعلوه تحت نير عبوديتهم. إن الشاعر يرى في المجاهد الشهيد إبراهيم