القسم الأول جماليات في النظم والمعنى
  هو الجدل «الديالكتيكي» بعينه ... هو فن الحوار النفسي والحسي الذي تحدث عنه أفلاطون وأفاض الحديث، ثم جاء تلميذه ارسطو فشرحه ومدده و بسطه، لكنه نظر إليه من زاوية واحدة، ثم جاء هيغل الألماني فبسط النظرية، ونقلها نقلة واحدة، وطبقها على كثير من آلاء الحياة، ومثله فعل ابن خلدون.
  خلاصة هذه الحوارية الجدلية أنه إذا ما اجتمع اثنان مختلفا الرأي، نشب جدل بينهما، وحاول كل واحد منهما إدحاض رأي خصمه بالحجة والبرهان. ومن خلال الحوار الدائر بينهما تتولد نتيجة. ذلك هو أصل النظرية اليونانية. وجاء العصر الحديث فتبنى فريدريك هيغل هذه النظرية الجدلية، وطورها، وطبقها على تطور التاريخ الإنساني. وكذلك نجد في مقدمة ابن خلدون شيئاً يُشبه هذه النظرية، ويطبقها على نشوء الدولة، وازدهارها، ثم انهيارها.
  إن الذي يعنينا في هذا الموضوع هو كون الطباق أساساً من أسس التفكير والتعبير الإنساني وليس زخرفا من القول، أو زينة يمكن الاستغناء عنها.
  لنقرا قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ١٩ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ٢٠ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ٢١ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ}[فاطر: ١٩ - ٢٢].
  إنها تعني أنه لا يستوي عند الله الإيمان والكفر، والخير والشر، والهدى والضلال، كما لا يستوي العمى والبصر، والظلمة والنور، والظل والحرور، والحياة والموت. وهي مختلفة الطبائع من الأساس.
  إنَّ بين طبيعة الكفر وطبيعة كل من العمى والظلمة والحرور والموت صلة، كما أن هناك صلة بين طبيعة الإيمان، وطبيعة كل من النور والبصر والظل والحياة.
  إن الإيمان نور، نور في القلب، ونور في الجوارح، ونور في الحواس، نور يكشف حقائق الأشياء والقيم والأحداث وما بينها من ارتباطات ونسب وأبعاد. فالمؤمن ينظر بهذا النور نور الله، فيرى تلك