علوم البلاغة بين التطور والتاريخ
  عليها، واصطلاحات وضعوها يحلّلون النصوص ليستخرجوها منها كما يستخرج عالم الكيمياء عناصر مادة يحلّلها، دون أن يكون لتحليلهم صلة بالجمال، أو رابطة بالذوق.
  ولعلنا لا نغالي إذا قلنا: إنه لم يأتِ بعد عصر الجرجاني والزمخشري مَن فَهِمَ البلاغة فَهْمَهُما إياها، وإن الذين جاؤوا من بعد إنما كان عملهم في أكثر الأحيان تلخيصاً أو شرحاً، وإنهم لم يزيدوا في فهم البلاغة وشرح فنونها شيئاً ذا بال.
  لقد ابتدأ الفخر الرازي(١) في كتابه «نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز» بتلخيص كتب الجرجاني تلخيصاً أخذ يبتعد بالبلاغة عن النصوص، ويقترب بها من الحدود والقوانين والأحكام والقواعد، ثم استكملت تقعيدها على يد السكاكي في كتابه «مفتاح العلوم».
  وأبو يعقوب السكاكي المتوفّى سنة ٦٢٦ هـ/ ١٢٢٨ م كما قال عنه ياقوت(٢) في معجم في معجم الأدباء: علامة، إمام في العربية، والمعاني، والبيان، والأدب، والعروض والشعر متكلم فقيه، متفنّن في علوم شتى. وضع كتابه «مفتاح العلوم» وقسمه ثلاثة أقسام: القسم الأول منها للصرف، والقسم الثاني للنحو، والقسم الثالث للبلاغة وما تحتوي عليه من علوم المعاني والبيان والبديع، وما يلحق بهذه العلوم من قافية وعروض.
(١) محمد بن عمر، فخر الدين الرّازي. الإمام المفسّر، أوحد زمانه في المعقول والمنقول وعلوم الأوائل، قرشيّ النسب، ومولده في الرّيّ. وإليها نسب. له تفسير مفاتيح الغيب. وكتب كثيرة أخرى في أصول الكلام، والبلاغة والمنطق، والتوحيد وسواها. ت ٦٠٦ هـ / ١٢١٠ م. الأعلام ٢٠٣/ ٧.
(٢) ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي. مؤرّخ ثقة، من أئمة الجغرافيين، ومن العلماء باللغة والأدب أصله من الروم، وأسر من بلاده صغيراً، واشتراه تاجر بغدادي اسمه عسكر بن إبراهيم الحموي، فربّاه وعني به ثم أعتقه واستخدمه في تجارته، ورحل كثيراً، ثم استقر بحلب ومات فيها من كتبه: إرشاد الأديب «معجم الأدباء» ومعجم البلدان، ومعجم الشعراء، وكتب أخرى. ت ٦٢٦ هـ / ١٢٢٩ م. الأعلام ١٥٧/ ٩.