القسم الأول جماليات في النظم والمعنى
  ولقد أورد أبو هلال العسكري في الصناعتين مئات الشواهد، أخطأ أصحابها هدفهم فغلطوا في استعمال اللفظ، أو إيراد المعنى. وقد عنون الباب بقوله «في التنبيه على خطأ المعاني وصوابها ليتبع من يريد العمل برسمنا مواقع الصواب فيرتسمها، ويقف على مواقع الخطأ فيتجنبها(١).
  ولو أردنا بيان ما جاء به البلاغيون من قواعد في هذا الموضوع لوجدناهم قد جعلوه في ثلاثة أقسام رئيسية:
  الأول في ائتلاف اللفظ والمعنى.
  الثاني: في ائتلاف اللفظ واللفظ.
  الثالث في ائتلاف المعنى والمعنى.
  أما ائتلاف اللفظ والمعنى فهو أن تكون الألفاظ لائقة بالمعنى المقصود ومناسبة له، فإذا كان المعنى فخماً كان اللفظ الموضوع له جزلاً، وإذا كان المعنى رقيقاً كان اللفظ رقيقاً، فيطابقه في كل أحواله، وهما إذا خرجا على هذا المخرج، وتلاء ما هذه الملاءمة، وقعا من البلاغة أحسن موقع، وتألفا على أحسن شكل، وانتظما في أوفق نظام. ومن أمثلة ذلك قول زهير:
  أثافي سفعاً في معرس مرجل ... ونويا كجذم الحوض لم يتثلم
  فلما عرفت الدار قلت لربعها: ... ألا انعم صباحا أيُّها الربع واسلم(٢)
  فالبيت الأول ألفاظه غريبة، غير مأنوسة، ذلك لأن الطلل كان في عيني الشاعر أول الأمر غريباً، لم يعرف عنه شيئاً لكنه حين عرفه، وتبين فيه آثار أحبابه الخوالي، أنس به، وطابت نفسه فعبر عن ذلك بالألفاظ المأنوسة الرقيقة.
  ونستطيع أن نقيس على هذه القاعدة الآيات المكية، وما فيها من ألفاظ
(١) الصناعتين ٨٤ - ١٤٨.
(٢) شرح شعر زهير، صنعة أبي العباس ثعلب تحقيق فخر الدين قباوة ص ١٨ الأثافي: الحجارة تجعل عليها القدر، ومفردها أثفية. وسفعا: الشفعة سواد تخلطه حمرة. معرس مرجل مكان المرجل وهو القدر التي يطبخ فيها والتوي حاجز ترابي يجعل حول البيت. وجدم الحوض حرفه واصله لم يتكلم لم يتغير. انعم صباحاً: تحية ودعاء.