البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

القسم الأول جماليات في النظم والمعنى

صفحة 93 - الجزء 3

  وقال البحتري⁣(⁣١):

  عارضنا أصُلاً فقلنا الرَّبْرَبُ ... حتَّى أضاء الأقحوان الأشنب

  أو مضن من خلل الستور فراعنا ... برقان: خالٌ ما يُنالُ وخُلبُ

  ولقد نهيت الدمع يوم سويقة ... فأبت غوالب عبرة ما تغلب

  ووراء تسدية الوشاح مَلِيَّةٌ ... بالحُسن تَمْلُح في القلوب وتعذب

  كالبدر، إلا أنها لا تجتلى ... والشمس، إلا أنَّها لا تغرب

  الشاهد في قوله «تملح» لها معنيان أحدهما من الملوحة، ضدّ الحلاوة، بدلالة ما عطف عليه من قوله «وتعذب» وهذا هو المعنى القريب، المورَّى به غير المراد، والثاني من الملاحة بدلالة قوله «ملية بالحسن» وهو المعنى البعيد المورَّى عنه، والمراد.

  وقال لسان الدين بن الخطيب⁣(⁣٢):

  قال لي، والدموع تنهل سُحباً ... في عراصٍ من الخُدُود مُحُول

  أنا جفني القريح يروي عن الأغـ ... ـمش، والجفن منك عن مكحول

  الشاهد في قوله «الأعمش ومكحول». فالأعمش لفظ مشترك بين ضعيف البصر من سيلان دموعه، وبين سليمان الأعمش التٌابعي المشهور الذي روى ألفاً وثلاثمائة حديث وكذلك «مكحول» اسم مفعول من كحل العين، وهو اسم فقيه الشّام من حفّاظ الحديث. والتّورية هنا «مبيَّنة»، لأنه ذكر لازم المورَّى عنه وهو «يروي».

  وجاء في حديث علي بن أبي طالب ¥ أنه قال للأشعث بن قيس: «إنَّ أبا هذا كان ينسج الشمال باليمين»⁣(⁣٣)

  كلمة «الشمال» لها معنيان. الأول، وهو القريب المورَّى به هو اليد المقابلة لليمنى، وهو غير مراد. والثاني، وهو البعيد، المورَّى عنه، والمراد


(١) ديوانه ١٨٧/ ٢ تسدية بمعنى الافتراء، وفي الأساس وتسدي عليه الوشاة اي تفتري. والكلمة مستعملة مجازا.

(٢) تهذيب الإيضاح ١٠٤/ ١.

(٣) التهذيب ١٠٤/ ١.