البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

أسلوب الحكم أو القول بالموجب

صفحة 105 - الجزء 3

  حكي أن رجلاً قال لهشام القرطبي: كم تَعُدّ؟ قال: من واحد إلى ألف ألف وأكثر. قال: لم أرد هذا، كم تعدّ من السَّنَّ؟ قال: اثنين وثلاثين، ستَّة عشر من أعلى وستَّة عشر من أسفل. قال: لم أرد هذا، كم لك من السنين؟ قال: والله ليس لي منها شيء، السَّنون كلُّها لله. قال: يا هذا، ما سنٌّك؟ قال: عظم. قال: ابن كم أنت؟ قال: ابن اثنين، رجلٍ وامرأةٍ. قال: كم أتى عليك؟ قال: لو أتى علي شيء قتلني. قال: فكيف أقول؟: تقول: كم مضى من عمرك؟

  في هذه الحكاية وجدنا الرجل أراد أن يسأل هشاماً عن عمره.

  وراوغه هشام. فكان يأخذ سؤال الرجل، ويجيبه بغير ما يقصد، ولكن إجابته صحيحة وفي موضعها. وكان يتخلص بمهارة من الجواب.

  وهذا شاهد آخر:

  روى الشريف المرتضى قال: رُوي أنَّه لما نزل خالد بن الوليد ¥ على الحيرة، وتحصن منه أهلها أرسل إليهم أن ابعثوا لي رجلاً من عقلائكم، وذوي أنسابكم، فبعثوا إليه عبد المسيح بن بُقيلة، فأقبل يمشي حتى دنا من خالد بن الوليد. فقال: انعم صباحاً أيها الملك. قال: قد أغنانا الله عن تحيتك هذه، فمن أين أقصي أثرك أيُّها الشيخ؟ قال: من ظهر أبي. قال: فمن أين خرجت؟ قال: من بطن أمي. قال: فعلام أنت؟ قال: على الأرض. قال: ففيم أنت؟ قال: في ثيابي. قال: أتعقِل، لا عقلت. قال: إي والله وأقيّد. قال: ابنُ كم أنت؟ قال: ابن رجلٍ واحد. قال خالد: ما رأيت كاليوم قط، إني أسأله عن الشيء وينحو في غيره. قال: ما أنبأتك إلا عما سألت، فسل عمَّا بدا لك⁣(⁣١)

  ومثل ذلك ما روي عن الغضبان بن القبعثرى، وكان من زعماء الخوارج أنَّه كان مع صحابة له في بستان، وذكر الحجاج، فدعا عليه ابنُ القبعثري قائلاً: اللَّهم سوَّد وجهه واقطع عنقه، واسقني دَمَهُ، فلمَّا ظفر به الحجَّاج، سأله عن ذلك فقال أردت العنب. فقال له متوعداً: لأحملنَّك على


(١) من أنوار الربيع ٢/ ٢٠٠ وللخبر بقية في الصفحة ٢٠١.