(فصل) في صفات من يجوز تقليده
  وَلِخَبَرَي السَّفِينَةِ وَإِنِّي تَارِكٌ فِيْكُمْ.
  (فَصْلٌ) وَالْتِزَامُ مَذْهَبِ إِمَامٍ مُعَيَّنٍ أَوْلَى، وَلَا يَجِبُ، وَلَا يَجْمَعُ مُسْتَفْتٍ بَيْنَ قَوْلَيْنِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةٍ لَا يَقُولُ بِهَا إمَامٌ مُنْفَرِدٌ؛ كَنِكَاحٍ خَلَا عَنْ وَلِيٍّ وَشُهُودٍ؛ لِخُرُوجِهِ عَنْ تَقْلِيدِ كُلٍّ مِنَ الْإِمَامَيْنِ.
  ومما يرجح تقليد أهل البيت $ ما ذكره المصنف # بقوله: (وَلِخَبَرَي السَّفِينَةِ) وهما قول النبي ÷: «مَثَلُ أَهْل بَيْتِي فِيْكُمْ كَسَفِيْنَةِ نُوح مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ وَهَوَى» الخبر المشهور الذي لا اختلاف فيه بين الأمة، وقد روي عن تسعة من الصحابة، وأخرجه الحاكم في المستدرك وصححه على شرط مسلم، وأحمد بن حنبل والترمذي، والسيوطي، والطبراني، وغيرهم كثير، وقول أمير المؤمنين #: «فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ عَنْ عِلْمٍ تنُوسِخَ مِنْ أَصْلَابِ أَصْحَابِ السَّفِيْنَةِ هَؤُلَاءِ مَثَلُهَا فِيْكُمْ ... الخ» رواه الإمام أبو طالب في أماليه، والإمام الموفق بالله في الاعتبار وغيرهما وهو صحيح لا مرية فيه (وَإِنِّي تَارِكٌ فِيْكُمْ) يعني قول النبي ÷: «إِنِّي تَارِكٌ فِيْكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا مِنْ بَعْدِي أَبَداً: كِتَابَ الله وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، إِنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ نَبَّأَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ» وهو خبرٌ متواترٌ أجمعت على صحته وروايته الأمة جميعها أهل البيت وغيرهم عن أكثر من عشرين صحابيّاً، فممن أخرجه مسلم في صحيحه من طرق، وأحمد في مسنده، والنسائي، وأبو داود، والترمذي، وأبو يعلى وغيرهم كثير جدّاً.
  (فَصْلٌ):
  (وَالْتِزَامُ مَذْهَبِ إمَامٍ مُعَيَّنٍ) حيّاً كان أو ميتاً (أَوْلَى) من ترك الالتزام (وَلَا يَجِبُ) الالتزام بل يجوز أن يُقلَّدَ هذا الإمام في حكم وهذا في حكم آخر (وَلَا يَجْمَعُ مُسْتَفْتٍ) عامل (بَيْنَ قَوْلَيْنِ) مختلفين (فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةٍ لَا يَقُولُ بِهَا إمَامٌ مُنْفَرِدٌ كَنِكَاحٍ خَلَا عَنْ وَلِيٍّ) عملاً بقول أبي حنيفة (وَ) عن (شُهُودٍ) عملاً بقول مالك كما قيل، فإن الطرفين وإن قال بكُلِّ واحدٍ منهما إمامٌ؛ لكنهما في حكمٍ واحدٍ ومجموعهما لم يقل بصحته أحد منهم بل يقولان ببطلانه، فلا يصح نكاح المقلد على هذه الصفة (لِخُرُوجِهِ) أي الفاعل لذلك (عَنْ تَقْلِيدِ كُلٍّ مِنَ الْإِمَامَيْنِ).