[مقدمة المؤلف]
  
[مقدمة المؤلف]
  الحمد لله الذي أمر عباده تخييرًا، ونهاهم تحذيرًا، ولم يكلِّفهم إلا وُسْعا، ولم يجشِّمهم إلا يُسرا، ولم يَدَعْ لأحدٍ منهم حُجَّةً ولا عذرا، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}(١)، أمر بالطاعة، وأعطى قبل الفعل الاستطاعة، {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}(٢)، لا يرضى لعباده الفساد، ولا الخروج عن طاعته ولا العناد، بل على الفطرة خلقهم، وإلى الجنة دعاهم، وبالتكليف ابتلاهم، وبالشيطان اللعين امتَحَنَهُم، بعد أن حذَّرهم غَدْرَهُ ومَكْرَهُ، وحِيَلَهُ وزُورَهُ، وجعله فتنةً لتمام ثوابِ المطيعين، ونيلِ أجر المجاهدين، ولم يجعل له سلطانًا قاهرًا، ولا سيفًا عليهم باتراً، إنما يُزَيِّنُ للكافرين ما صَنَعُوه، ويحسِّنُ للفاسقين ما دبَّروه، ويُخيِّلُ إلى المنافقين حُسْنَ ما عَمِلُوه، وليس له على المؤمنين سلطان، ولا على ما دعى إليه برهان، فمن أطاع الخالقَ وعمل بأوامِره ربح وطاب، ومن عصاه خَسِرَ وخاب، وصار للشيطان قرينا، وهكذا جرت في العباد باختيارهم طريقة واضحة قادتهم إلى رشدهم، وطريقة مظلمة جرى فيها جُلُّهم، فطريق الجنة هي الطريق الواضحة، دعا إليها الأنبياء والمرسلون، والعلماء والصالحون، ودعا إليها الكتابُ والسنَّةُ، وحكَّم الأنبياءُ والأوصياءُ والأئمةُ في مَنْ عانَدَهَا الظُّبَا والأَسِنَّةَ، ودعا إلى طريق الظلمة شياطينُ الإنس والجنِّ، والهوى والنفوس والشهوات وغير ذلك مما تذهب باليقين، وتثلم الدين، فنسأل الله تعالى أن
(١) سورة الأنفال: ٤٢.
(٢) سورة الكهف: ٢٩.