[مقدمة المؤلف]
  لابُدَّ من حرَاسَتِهِ بمن يَعْلَمُهُ ويَحْفَظُ مَعْنَاهُ وكَلِمَه وحروفَه ومحكمَه و متشابهَه قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(١).
  قال أهل التفسير: لحافظون بأوليائنا، فجعلَهم اللهُ تعالى قرناء الذكر إلى يوم القيامة، لا يفترقان حتى يردا على رسول الله ÷ الحوض، كما ورد بذلك الحديث الصحيح المتلقَّى بالقبول(٢).
  ويقولون: إن القرآن كلَّه محكمٌ ويحتجّون بقوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا}(٣) فَوَصَفَ القرآن كلَّه بالتشابه، والمرادُ بذلك عندَ آل محمد $ وأشياعهم: أن بعضه يُشْبِهُ بعضًا في باب الحِكْمَةِ وجَزَالَةِ الألفاظ وصحَّة المباني(٤).
  وعلى المعنى الثاني الذي حَمَلَه عليه غيرُهم في الآية الأولى>}(٥):
  أن المتَشَابِهُ: ما لَمَّحَّ إليه من اتَّبَعَهُ، وجعله حُجَّةً لمذهبه؛ يُفَسِّرُونَه بالمحكم من القرآن، ويردُّونه إلى واضح البرهان.
  والمراد مِنْ هذه الجملة تقسيم المتشابه وكيفية الخلاف، وذكر الوَقْفِ على الجلالة في قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}(٦) فحينئذٍ التشابُه يحتملُ معنيين:
  الأوَّل: أنَّ المراد شابَهَهُ في جزالة الألفاظ وصحة المباني ووضوح المعاني، وفي باب الحكمة ونحو ذلك.
(١) سورة الحجر: ٩.
(٢) وهو خبر الثقلين، ونصه كما في رواية مسلم ٤/ ٨٧٣/ رقم ٢٤٠٨: «وَإِنِّيْ تَارِكٌ فِيْكُمُ الثَّقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا: كِتَابُ اللهِ فِيْهِ الْهُدَى وَالنَّوْرُ مَنِ اسْتَمْسَكَ بِهِ وَأَخَذَ بِهِ كَانَ عَلَى الْهُدَى، وَمَنْ تَرَكَهُ وَأَخْطَاهُ كَانَ عَلَى الضَّلاَلَةِ، وَأَهْلُ بَيْتِيْ أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِيْ أَهْلَ بَيْتَيْ».
(٣) سورة الزمر: ٢٣.
(٤) وعليه قول الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا}[الزمر: ٢٣] الآية.
(٥) قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}[آل عمران: ٧].
(٦) سورة آل عمران: ٧.