الدليل الصغير
  لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}[الحج ٧٣]، يخبر تبارك وتعالى أنه لن يفعل أحد فعله، وكيف يفعل ذلك من ليس له مثله(١)، وإنما يكون تشابه الأفعال بين النظراء والأمثال.
  وفيما وقف الله تبارك وتعالى عليه الإنسان بيانا من رؤيته لصنع الله فيه وخلقه له عيانا قوله سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ٧٧}[يس]، والنطفة فهي: الماء المهين، فإذا هو بعد أن كان نطفة وماء مهينا {خصيم مبين}، والمهين فهو المهان الذي لا قدر له ولا شان، وكذلك النطفة في صغرها ومهانتها وقذرها. وخلق الله لها فهو تهيئته وتصريفه جل ثناؤه إياها الذي قد رآه من الناس كلهم من رآها، من نطفة وماء مهين إلى علقة، ومن علقة إلى مضغة مخلقة وغير مخلقة، وتخليق المضغة فهو تهيئتها وتقدير الصورة الآدمية لها وتسويتها، التي لا يكون أصغر صغير رؤي(٢) منها إلا لخالق مهيء، ومقدر حكيم مسوي، لا يشك فيه ولا يمترى، وإن خفي عن العيون فلا يرى، وذلك فهو الله الذي {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ١٠٣}[الأنعام]، وكيف تدرك الأبصار من ليس له مثل ولا ند ولا كفؤ ولا نظير؟! لا كيف إلا عند جاهل عمي! شاك في جلال الله ممتري، لا يعرف ما بينه وبين الخلق من المباينة والفرق.
  فكل ما تسمع يا بني فتعريف وتبصير وتوقيف وتصريف من الله الحكيم الخبير العليم الرحمن الرحيم لدرك معرفته واليقين به، من(٣) حجج الفكر والاعتبار، وحجج الرؤية والمعاينة بالأبصار.
  وفي ذلك ما يقول تبارك وتعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ
(١) في نخ: بمثال.
(٢) في نخ: درك.
(٣) في مخطوطتين: بين حجج.