الدليل الصغير
  فإن قال: فتزعم أن ربك عالم بأنه موجود حي قادر مريد سميع بصير؟
  قيل له: نعم.
  فإن قال: فكما زعمت بأنه عالم قادر سميع بصير وكذلك تزعم أنه قادر على أن يعلم ويسمع ويبصر.
  قيل له: هذا كلام فاسد لا معنى له؛ لأن العلم والسمع والبصر ليس بفعل فيقال يقدر عليه، وذلك أن القدرة لا تكون إلا على أفعال.
  فإن قال: فكيف زعمت أنه يعلم أنه قادر ولا تقول: يقدر أن يعلم؟
  قيل له: لأن العلم يقع بالفعل وبغير الفعل، والقدرة لا تقع(١) إلا على الفعل، ألا ترى أنني أقول: إني عالم بالله وبفعله، ولا يقال: إنني قادر عليه، تعالى عن ذلك.
  فإن قال: أفتقولون: إنه مريد يعلم أو يقدر أو يسمع أو يبصر؟
  قيل له: إن كل ما سألت عنه محال لا معنى له؛ لأن الإرادة لا تقع إلا على فعل(٢)، والعلم والقدرة ليسا بفعل يريدهما.
  فإن سألك بعض الملحدين أو المستخفين أو الشكاك في دين الله رب العالمين فقال: هل يقدر ربك أن يخلق مثله؟
  فالجواب في ذلك: أن هذا كلام محال لا معنى له؛ لأن قولك: يقدر أن يخلق - أن الذي يخلق خلق، وفي قولك: «مثله» أنه ليس بخلق؛ لأنه قديم، فكأنك قلت: يقدر أن يجعل شيئاً خالقاً مخلوقاً، ومحدثاً قديماً؛ لأن في قولك: مثله أنه قديم، وقولك: يخلق أنه محدث، فهذا محال، مع أنه إذا فعل بجعله محدثاً قديماً فقد جعله مخالفاً له وليس هو له بمثل؛ لأنه قديم ليس بمحدث.
  وكذلك إن قال: يقدر أن يخلق نفسه كان ذلك محالاً؛ من قبل أنه موجود،
(١) في (أ): توقع.
(٢) في نخ (١، ٢): إلا على أي فعال.