الدليل الصغير
  والذي يخلق عدم أوجده بعد العدم، وفي قولك: يخلق نفسه أن النفس مخلوقة، [وفي قولك: لله قدرة(١)، فقد أوجب هذا الكلام أنه محدث قديم، فهذا محال](٢)، مع أن كل محدث لشيء فجائز أن يترك ما أحدث، فلو توهمناه(٣) تاركاً لما أحدث كان معدوماً موجوداً في حال واحد، وهذا محال؛ لأنه إذا ترك فعل نفسه فهو متروك معدوم، ولا يكون تاركاً إلا وهو موجود؛ لأن التارك فاعل للترك، فهو يوجب عدم نفسه بتركه لفعل نفسه، ويوجب وجوده شيئاً لا شبه له ولا مثل من جهة من الجهات بقوله: إنه تارك؛ لأن كل تارك فاعل للترك، وهو موجود في حال فعله.
  فإن قال: أخبرني عن الذي تعبد له شبه أو مثل(٤)؟
  قيل له: لا شبه له ولا مثل من جهة من الجهات.
  فإن قال: أخبرني عن ربك هل يعقل شيئاً(٥) لا شبه له ولا مثل من جهة من الجهات؟
  قيل له: إن أردت بقولك: يعقل بأنه يتصور في الأوهام وتقدره العقول فلا، وإن أردت بقولك: يعقل شيء لا شبيه له فنعم قد يعقل شيء لا شبيه له وهو الله رب العالمين، بما أظهر من تدبيره وعجيب صنعه.
  فإن قال: فما دليلك على ذلك؟ وكان ممن يثبت التوحيد ويقرأ القرآن.
  فقل له: قول الله تبارك وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١١}[الشورى] دلني على ذلك.
(١) كذا في النسختين، ولعلها: قديمة.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٣) في (أ): توسمناه.
(٤) في (أ): شبيه أو مثيل.
(٥) في (أ): هل يعقل بشيء فإن قال: يعقل بشيء لا شبه له ... إلخ.