الدليل الصغير
  فإن قال: وما أنكرت من أن يكون معنى قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} من جهة من الجهات في القدرة، وله شبه ومثل من غير هذا الوجه؟
  قيل له: الدليل على ذلك أن كل شيء سواه محدث من جميع الجهات، فلو كان مشبهاً لشيء من جهة من الجهات كان محدثاً من تلك الجهة؛ لأنه لا يشبه المحدث(١) ما ليس بمحدث، ولو كان مشابهاً لشيء من جهة من الجهات وغير مشبه من جهة فإن كان محدثاً من جهة ما أشبه المحدث وقديماً من جهة ما لم يشبه المحدث من جهة من الجهات كان قديماً من جهة ما أشبه من المحدث ومحال أن يكون شيء قديماً من وجه محدثاً من وجه.
  وإن كان السائل ملحداً لا يقر بالتوحيد [ولا بمعرفة الواحد الحميد](٢) ولا يقر بالقرآن أجبته بهذا الجواب الآخر وقلت له: لو كان يشبه شيئاً من وجه وذلك الشيء محدث من جميع الجهات كان محدثاً من جهة ما أشبه المحدث، ومحال أن يكون القديم محدثاً من جهة من الجهات.
  فإن قال: فأخبرني عن الذي تعبد مماسّ للأشياء أو مباين لها؟
  قيل له: تعالى ربنا أن يماس الأشياء؛ لأن المماس من الأجسام والأبدان، وربنا تبارك وتعالى ليس بجسم فيجوز عليه ما ذكرت من المماسة.
  وأما قولك: هل تزعم أنه مباين للأشياء - فإن أردت بقولك إنه بان منها بينونية مسافة بينه وبينها كما أن الكوفة باينة من البصرة تريد أن بينهما مسافة فليس على هذا المعنى نقول: إنه باين منها؛ لأنه لا يخلو منه مكان؛ لأنه لا نهاية له ولا غاية فيجوز شيء من ذلك عليه.
  وكذلك إن قال: فهل تزعم أنه مخالف للأشياء؟
  فإن أراد بقوله أنه مفارق لها على بعد التشبيه منها وليس مثلها فنعم، كقولك
(١) في (أ): ولأشبه المحدث.
(٢) ما بين المعقوفين زيادة من نخ (٢).