مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

الرد على من زعم أن الله نور كالأنوار المخلوقة

صفحة 160 - الجزء 1

الرد على من زعم أن الله نور كالأنوار المخلوقة

  إن بعض الملحدين توهم أن الله ø نور كالأنوار المنبسطة، وتوهم آخرون منهم أنه نور كالأنوار الكثيفة الساترة، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وقد رأينا مثل المعنيين اللذين توهموا من النور المنبسط والنور الكثيف الساتر، فأما النور الكثيف الساتر فالبدر إذا هو قهر وكثف ستر من السماء عن أبصارنا بقدر استدارته، ورأينا قرص الشمس كثيفاً ساتراً يستر الأبصار من السماء بقدر استدارته، فأما النور المنبسط الذي تنفذه الأبصار فقد رأيناه، من ذلك ضوء النهار، ونور القمر، وشعاع الشمس يدخل من الكوة، فلا تستر أبصارنا لانبساطها، ولا يكون ذلك ساتراً لأبصارنا عما خلفه.

  وأعلام العبودية في هذه الأنوار التي ذكرنا كلها بينة، وذلك لأن النور الكثيف الساتر ضعيف لا يقدر على الزيادة في نفسه ولا الانتقاض لها، ولا تقدر على الامتناع من العيون أن تدركها، فالضعف لكل ما ذكرنا لازم. وكذلك الضعف بين في الأنوار المنبسطة؛ إذ لم تحجب الأبصار عن نفذها ومجاوزتها إلى ما خلفها، فالضعف لكل ما ذكرنا لازم، والله فتعالى عن هذه المعاني أن يكون بشيء منها موصوفاً؛ لأنها مخلوقة، وكل ما أشبه المخلوق فهو مخلوق، وليس الخالق للشيء كالمخلوق في جميع المعاني كلها.

  واعلم أن النور له في الكتاب وفي اللغة معان، يجري على الله ø بعضها ولا يجري عليه بعضها، فالذي يجري عليه منها هو ما قال الله في كتابه: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ}⁣[النور: ٣٥].

  يعني: الله ينير لعباده دلائله التي يهتدون إليه بها، لأن يعرفوه بما أبان، ويعلموا أنه الحق بآياته المنيرة، وأن يميزوا بها بين الخالق وخلقه، والله نَوَّر