الرد على من زعم أن الله نور كالأنوار المخلوقة
  الأنوار، وهو منير لما(١) نور من دلائله، فهو نورها؛ لأنه أضاء لنا الأشياء وأبانها، وجلا عنها ظلمة الشبهة، فأزال عنها الشكوك والريب بتجليتها للعقول أنه الحق المبين، وأنه نور كل شيء، وليس كمثله شيء. كذلك أمرنا أن نصفه، وبذلك دلنا على نفسه، من غير أن نجاهر الله فتدركه الأبصار، فاستنار لنا بتدبيره من غير مشاهدة منا له، ولا إحاطة به، ولا إدراك من حواسنا له، فهو نور السماوات والأرض ونور من فيهما، لمعنى: الذي ذكرنا أن الحق من عنده، وأن العباد به استناروا، وبه استضاءوا، وبه أبصروا، إذ استضاء لهم سبحانه بنوره الذي عاينوا من خلق أنفسهم، وتدبيره في ملكوت السماوات والأرض، ومن لطائف الآيات التي لا يكون معها ريب، ولا تدانيها الشكوك، ولا تعتريها الفترات، ولا تكون معها الغفلات، فرأوا ربهم بتدبيره ونوره وعلاماته، لا بمجاهرة منهم له، ولا بالمشاهدة والملاقاة، تقدس الله عن ذلك وجل جلالاً عظيماً. وكذلك الله نور السماوات والأرض ومن فيها، لأن عباده الذين هم سكان أرضه استناروا وعلموه بما عاينوه من نوره، إذ دبر الأرض، وخلق فيها ما به أنار لهم أنه الله سبحانه، فاستنار نوره بغير تحديد، وعرفوه من غير تخيل، ووحدوه معروفاً بغير تشبيه، بل عرفوا الله بعجيب آياته وبأثر دلالاته.
  ومعنى آخر في تأويل قوله: «نور» قد علم العالمون أن الأشياء تدرك بحقائقها، وتعلم بالاستيقان وإن كانت غائبة، فالله يعلم ويعرف ويميز بين ما يدرك بالمجاهرة وبين ما لا يدرك بها، كالخشونة واللين، والحمرة والبياض، وما لا يدرك بالمجاهرة، بالسمع والبصر والعقل والرَّي والظمأ، والشبع والسغب، وما أشبه ذلك مما غيب عن حواسنا، وإن كنا قد أدركناه بعلمنا بما صرفنا منه ربنا فيما أخبرنا عما غاب عنا من ملكوته.
(١) في (أ): بما.